للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أقاليهما، لم تلبث لغة الشعب المقهور أن تغلبت على لغتهم، فأصبح جميع السكان، أصيلهم ودخيلهم، إنجليزهم ونورمانديهم، يتكلمون الإنجليزية السكسونية, وذلك لأن الإنجليز المغلوبين كانوا أكثر عددًا من النورمانديين الغالبين، ولم يكن لأحد الشعبين إذ ذاك حضارة ولا ثقافة راقية، وكلتا اللغتين من الفصيلة الهندية الأوربية.

وقد يحدث أحيانًا في هذه الحالة أن تتغلب لغة على أخرى من غير فصيلتهما, ولكن هذه الظاهرة نادرة الحدوث، ولا يتم التغلب فيها إلّا بصعوبة, وبعد أمد طويل, واللغة التي تنشأ من هذا التغلب ينالها كثير من التحريف في ألسنة المحدثين من الناطقين بيها، لشدة الاختلاف بينها وبين لغته الأصيلة؛ فتبعد بعدًا كبيرًا عن صورتها الأولى؛ فالبلغاريون، وهم من أصل فينواني Finois، حينما نزحوا إلى البلقان وامتزجوا بشعوب الصقالبة "الشعوب السلافية Slaves" أخذت لغتهم تنهز شيئًا فشيئًا أمام لغة هذه الشعوب حتى انقرضت وحلَّ ملحا لسان صقلبي, وذلك لأن عدد البلغاريين لم يكن شيئًا مذكورًا بجانب عدد الصقالبة الممتزجين بهم، وكلتا الفئتين كانت إذ ذاك همجية منحطة في مستوى حضارتها ومبلغ ثقافتها, وقد حدث هذا التغلب مع اختلاف اللغتين في الفصيلة، فلغة البلغاريين الأصلية كانت من الفصيلة الفينية١، على حين أن اللغات الصقلبية من الفصيلة الهندية الأوربية٢, ولكن هذا التغلب لم يتم إلّا بصعوبة, وبعد أمد طويل وصراع عنيف, خرجت منه اللغة الغالبة مشوهة محرفة عن مواضعها في ألسنة المحدثين من الناطقين بها، فبعدت بعدًا كبيرًا عن صورتها القديمة؛ فالبلغارية الحديثة هي أكثر اللهجات الصقلبية تحريفًا وبعدًا عن أصولها الأولى.

الحالة الثانية: أن يكون الشعب الغالب أرقى من الشعب


١ انظر ص٢٠٩ "رقم ١١" و٢١٠.
٢ انظر صفحة ١٩٩ رقم ٨.

<<  <   >  >>