للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تحركهما حركات ظاهرة مرئية تصل إلى الطفل عن طريق حاسة البصر: "بابا", "ماما" ... إلخ. وهذا دليل على أهمية النظر في التقليد اللغوي، وخاصة في المراحل الأولى لهذا التقليد.

٤- أن الطفل الأكمه -الذي يولد أعمى- يقضي في كسب اللغة عن طريق التقليد مدة أطول من المدة التي يقضيها في العادة طفل بصير, أو طفل طرأت عليه هذه العاهة بعد أن قطع قسم من مرحلة التقليد اللغوي. فللنظر إذن دخل في سير هذا التقليد وتخفيف أعبائه وتيسير عناصره.

٥- أن الأطفال الذين يولدون صمًّا يمكن تعليمهم النطق عن طريق محاكاتهم للحركة المرئية التي تتحرك بها أفواه المتكلمين وشفاهم, فللنظر إذن أهمية كبيرة في عملية التقليد اللغوي، حتى إنها قد تتم أحيانًا بمساعدة النظر وحده, وتستغني استغناءً تامًّا عن السمع.

وقبل أن نعرض لقيمة هذه الأدلة، يجدر بنا أن نبين أن النظرية نفسها قائمة على أساس غير سليم.

وذلك أن عملية التقليد اللغوي يتوقف نجاحها على مبلغ مطابقتها للأصل الذي تحاكيه، وأن هذه المطابقة لا يصل إليها الطفل لأول وهلة، قد تقتضيه معالجة صوته, والعمل بالتدريج على إصلاح ما عسى أن يكون قد وقع فيه من أخطاء، كما تقدم بيان ذلك١. ويتاح للطفل هذا الإصلاح بفضل إحساسه للصوت الذي يلفظه, والموازنة بينه وبين الصوت الذي سمعه, أو بينه وبين ما يذكره عن هذا الصوت. ولو كان الطفل يعتمد في تقليده اللغوي على محاكاة ما يراه من حركات الشفتين كما تقول هذه النظرية، لما استطاع سبيلًا إلى هذا الإصلاح؛ لأنه لا يمكنه أن يرى كيف تتحرك شفتاه هو، فلا يستطيع أن يعرف أن


١ انظر صفحتي ١٣٣-١٣٥.

<<  <   >  >>