للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانت حركاتهما قد جاءت مطابقة للحركات التي رآها أم غير مطابقة لها, ولا يستطيع تبعًا لذلك أن يحدد مواطن الخطأ تحديدًا دقيقًا, ولا أن يصل إلى مطابقة صحيحة.

هذا إلى أن معظم الأصوات اللغوية تعتمد في مخارجها على حركات غير مرئية تؤديها أعضاء غير ظاهرة؛ كحركات الجوف والحلق والحنك واللسان, فليس في اللغة العربية مثلًا إلّا أربعة أصوات شفوية "الفاء والباء والميم والواو"، بينما تشتمل على أربعة وعشرين صوتًا من الأنواع الأخرى, فلو كان للنظر دخل ما في التقليد اللغوي لتعذر على الطفل أو صعب عليه محاكاة قسم كبير من أصوات لغته، أو لكانت محاكاته للأصوات الشفوية أدق من محاكاته لما عداها, وكلتا هاتين النتيجتين لا تتفق مع الواقع في شيء.

وأما الأدلة التي يعتمد عليها أصحاب هذه النظرية, والتي سبق تلخيص أهمها، فبعضها يتضمن حقائق غير مسلَّم بها أو غير صحيحة، وبعضها لا يدل دلالة قاطعة على ما يذهبون إليه، وبعضها يظهر من تحليله أنه دليل عليهم لا لهم:

١- فأما ادعاؤهم أن الطفل في أول مرحلة التقليد اللغوي لا يستطيع محاكاة صوت يصدر من متكلم غير مواجه له، فلا يتفق مع الواقع في شيء؛ إذ الحقيقة أن الطفل في فاتحة هذه المرحلة كثيرًا ما يحاكي أصواتًا وكلماتٍ لا يرى مصدرها, أو يبعد مصدرها عنه؛ بحيث لا يستطيع أن يرى حركات فمه وشفتيه، ولا تقل محاكاته إياها في جودتها عن محاكاته لما يصدر عن شخص مواجه له.

٢- وأما ما يوجهه الطفل في مرحلة "التمرينات النطقية" من اهتمام بملاحظة شفتي الكلام، فليس ذلك ناشئًا عن رغبته في تقليد حركاتهما كما يزعم أصحاب هذه النظرية، وإنما ينشأ عن رغبته في الوقوف على مصدر الصوت, وهذه الرغبة فطرية قائمة على غريزة الاستطلاع عند الطفل، وتبدو حيال جميع الأصوات سواء في ذلك

<<  <   >  >>