وقد تبلغ لغة الإشارة عند بعض الأطفال شأوًا كبيرًا، فيستطيعون التعبير بها عن معانٍ دقيقة وقصص طويلة. فقد أردت مرة في أواخر السنة الثانية لابنتي عفاف "٢٢-١١-٣٥" أن أشغلها عن اللعب في سريرها لتتفرغ للنوم، فأخذت أقص عليها بالألفاظ التي تفهمها وبالحركات, قصة طويلة تتعلق بأسد كان يأكل قطعة لحم فسقط عليه غراب وضربه بمنقاره, واختطف منه قطعة اللحم, وطار بها حتى نزل على شجرة, وأخذ يأكلها. فاستأثرت هذه القصة بانتباهها, وكانت كلما فرغت من مرحلة من مراحلها تشير إلى إشارة الفاهم المتتبع لحديثي قائلة:"إيه، إيه", وبعد أن فرغت من القصة أخذت أسألها عنها كما يفعل المدرس عقب درس محادثة، فطفقت تمثل بحركات يديها وفهما أعمال الأسد وهو يتناول غذاءه، ثم حركات الغراب إذ ضرب الأسد بمنقاره واختطف منه قطعة اللحم، وإذ طار بها إلى الشجرة ... إلخ، غير مستخدمة في ذلك إلّا بضع ألفاظ، ككلمة "أاْ" التي كانت تعبر بها عن الضرب، وكلمة "مم" التي كانت تعبر عن الأكل.
المرحلة الرابعة: مرحلة الاستقرار اللغوي:
وهي المرحلة الأخيرة في هذا السبيل، وتبدأ من سن السادسة أو السابعة أو الثامنة تبعًا لاختلاف الأفراد. وبدخول الطفل في هذه المرحلة تستقر لغته, وتتمكن من لسانه أساليبها الصوتية، وترسخ لديه طائفة كبيرة من العادات الكلامية الملائمة لطبيعتها الخاصة.
ومن أجل ذلك يشعر الطفل في هذه المرحلة بصعوبة كبيرة في تعلم اللغات الأجنبية, وتبدو هذه الصعوبة أوضح ما يكون في النطق بالكلمات المشتملة على أصوات لا نظير لها في أصوات لغته, فالطفل المصري مثلًا يجد في هذه المرحلة صعوبة كبيرة في النطق بالكلمات الإفرنجية المشتملة على مثل هذه الحروف: v p j u eu etc
هذا، ولا ينتهي الأمر بلغة الطفل في هذه المرحلة إلى أن تكون