للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد سلكت في تطورها الصوتي عند كل شعب من الشعوب الناطقة بها مسلكًا يختلف عن مسلكها في الشعوب الأخرى، فلم تلبث أن انشعبت من جراء ذلك إلى عدة لغات "الفرنسية، الإيطالية، الأسبانية. البرتغالية، لغة رومانيا ... إلخ", واللغة العربية قد اتجهت كذلك في تطورها الصوتي عند كل شعب من الشعوب الناطقة بها وجهة تختلف عن وجهتها عند غيره، فلم تلبث أن تولد عنها من جراء ذلك عدة لهجات "عامية العراق، عامية الشام، عامية نجد والحجاز، عامية اليمن، عامية مصر، عامية المغرب ... إلخ١" حقًّا أن كثيرًا من مظاهر هذا الاختلاف ترجع إلى عوامل اجتماعية ونفسية أو إلى آثار البيئة الجغرافية٢، ولكن ليس من شكٍّ في أن بعض هذه المظاهر يرجع إلى العامل الشعبي الذي نحن بصدد الكلام عنه.

وعلى هذا العامل يقع كذلك قسط من التبعة فيما يصيب اللغة من تحريف في أصواتها حينما تنتقل من شعب إلى آخر٣, وذلك أنها تتشكل عند الشعب المنتقلة إليه في الصورة التي تتفق مع ما فطرت عليه أعضاء نطقه في بنيتها واستعدادها، فتبعد بذلك عن أصولها الأولى، ويزداد بعدها هذا كلما اتسعت مسافة الخلف بين أصول الشعبين. فما أصاب لغة الصقالبة من تحريف في ألسنة البلغاريين يفوق كثيرًا ما أصابها عند غيرهم، وذلك لأن الشعب الفيني Finois الذي ينحدر منه البلغاريون لا تربطه صلة قريبة بالأصل السلافي الذي ينتمي إليه الصقالبة٤, وما أصاب الأصوات اللاتينية من تحريفٍ في اللغة الفرنسية يفوق كثيرًا ما أصابها في اللغة الإيطالية، وذلك لأن الإيطاليين أقرب رحمًا إلى قدماء الرومان من الفرنسيين، ففيهم يغلب


١ انظر آخر ص١٧٤.
٢ انظر صفحة ١٧٥.
٣ انظر صفحة ٢٣١, وآخر ص٢٣٥, وأول ٢٣٦, وآخر ص٢٤٤, ونقول: "قسط من التبعة" لا كل التبعة؛ لأن لهذه الظاهرة أسبابًا أخرى كثيرة غير هذا العامل "أسبابًا اجتماعية ونفسية وجغرافية ... إلخ".
٤ انظر صفحة ٢٣١.

<<  <   >  >>