وفي الحق أن كثيرًا من المصلحين والمفكرين قد أخذوا الآن يولون وجوههم في حلِّ هذه المشاكل شطر علم اللغة, ويستمدون منه المعونة, ويقيمون إصلاحاتهم على الأسس التي تقررها قوانينه وتطمئن إليها قواعده، بعد أن كانوا من قبل أن يصدرون عن آراء فردية فقيرة, وتسيرهم آمال ورغبات لا سند لها من العلم الصحيح. ومن ثَمَّ اضطروا إلى تغيير كثير من الخطط الفاسدة التي كانوا يسيرون عليها من قبل، وأخذوا ينصرفون عن كثير من المشروعات التي شغلتهم زمنًا غير قصير، بعد أن تبين لهم من قوانين علم اللغة استحالة تنفيذها، كمشروع إنشاء لغة عالمية١.
فإذا هذبت هذه البحوث الفنية, وربطت في مختلف نواحيها ببحوث علم اللغة، ونسقت موضوعاتها، ونظمت مسائلها، وجمعت نتائجها، وفصلت عما عداها من البحوث، ودونت في مؤلفات مستقلة، لا تلبث أن يتكون منها فن يقينيّ شبيه بالفنون التي تكونت على أسس الفيزيولوجيا والسيكولوجيا؛ كالطب والتربية العامة وما إليهما. ويظهر للمتأمل في هذه البحوث أنها سائرة إلى هذه الغاية بخطًى حثيثة، وأن اليوم الذي يتم فيه تكوين هذا الفن على الوجه الذي وصفناه ليس ببعيد.
١ انظر ما ذكرناه في هذا الصدد بصفحتي ٢١، ٢٢، وما سنذكره بشأنه كذلك في الفقرة الثانية من الفصل الأول من الباب الثاني.