وقد تتسرب بعض ألفاظ هذه العاميات، إلى اللغة الأدبية، حينما يستخدم أحد الكتاب أو الشعراء لفظه من ألفاظ العاميات الخاصة في كلامه، فيقابل بالإعراض واللوم من الغيورين على اللغة الأدبية. وقد حدث مثل ذلك في فرنسا نفسها، فلم يكن الاعتراف بهذ التراكيب العامية أمرا ميسورا؛ إذ نشبت معركة شديدة بين القدماء والمحدثين، بين من يرون أن اللغة الفرنسية الحقة، هي لغة كبار الكتاب والشعراء، في القرنين السابع عشر والثامن عشر، هي لغة: موليير، وراسين، ولامرتين، وفولتير وغيرهم، وأن من الخطر الشديد أن ندنس هذه اللغة الأدبية الفصيحة، بلغة عامية مبتذلة وبين أولئك الذين كانوا ينظرون إلى اللغة على أنها كائن حي يتطور على مر الزمن.
وقد اضطرت الأكاديمية الفرنسية أخيرا إلى الاعتراف بكثير من الألفاظ الفرنسية العامية، التي رد لها الأدباء والشعراء اعتبارها، فأدخلتها في معاجمها، وبذلك انتصر المحدثون، فأصبحنا نرى كثيرا من الألفاظ العامية، التي كانت مستعملة في القرن الثامن عشر، وقد صارت ضمن مواد معجم الأكاديمية الفرنسية الذي يعد في فرنسا، المعجم اللغوي الرسمي. وستصبح الكثرة الغالبة من الألفاظ والتراكيب المستعملة في القرن العشرين، بدورها ألفاظا وتراكيب رسمية يوما ما.
هذه التفاعلات الشديدة بين المجتمع واللغة، قد وجد يوم تكونت المجتمعات البشرية، ويوم خلقت اللغات الإنسانية. وستظل هذه الصلة وثيقة دائما، فتنقل لنا اللغات، ما يدور في هذه المجتمعات من نظم مختلفة، وما يتصف به الأفراد في هذه المجتمعات، من علم وثقافة، ونظم اجتماعية مختلفة.