يجري الصوت في الألف غفلا بغير صنعة، فإذا وضع الزامر أنامله على خروق الناي المنسوقة، وراوح بين أنامله، اختلفت الأصوات، وسمع لكل خرق منها صوت لا يشبه صاحبه، فكذلك إذا قطع الصوت في الحلق والفم، باعتماد على جهات مختلفة، كان سبب استماعنا هذه الأصوات المختلفة.
ونظير ذلك أيضا وتر، فإن الضارب إذا ضربه وهو مرسل، سمعت له صوتا، فإن حصر آخر الوتر ببعض أصابع يسراه، أدى صوتا آخر، فإن أدناها قليلا سمعت غير الاثنين، ثم كذلك كلما أدنى إصبعه من أول الوتر، تشكلت لك أصداء مختلفة ... فالوتر في هذا التمثيل كالحلق، والخفقة عليه بالمضراب، كأول الصوت من أقصى الحلق، وجريان الصوت فيه غفلا غير محصور، كجريان الصوت في الألف الساكنة، وما يعترضه من الضغط والحصر بالأصابع، كالذي يعرض للصوت في مخارج الحروف من المقاطع، واختلاف الأصوات هناك كاختلافها هنا، وإنما أردنا بهذا التمثيل الإصابة والتقريب"١.
وجاء القرن الخامس الهجري، يحمل إلينا رسالة صغيرة في الأصوات العربية، للرئيس ابن سينا، فيلسوف الإسلام، واسمها: "أسباب حدوث الحروف"، وهي مقسمة على ستة فصول، الأول منها في سبب حدوث الصوت، ويقصد به صوت الإنسان وغيره، والثاني في سبب حدوث الحروف، ويقصد بالحروف الأصوات الإنسانية، والثالث في تشريح الحنجرة واللسان، والرابع في الأسباب الجزئية لحرف حرف من حروف العرب، والخامس في الحروف الشبيهة بهذه الحروف، وليست في لغة العرب، والسادس في أن هذه الحروف من أي الحركات غير النطقية قد تسمع. وحديث ابن سينا في هذه الرسالة، أشبه بحديث علماء وظائف الأعضاء،