الأدب الأخلاقي نما في بلاط الساسانيين، كان يروى عن بزرجمهر وغيره، وكان يراد به تثقيف الفرس بحكمة عملية خلقية تستمد من تجارب الحياة، وتكفل للإنسان عأن يعيش في العالم سعيدًا بعيدا عن المضار، وتدخل في هذا الضرب من الأدب الأخلاقي رسالة الصحابة، وهي لا تصل بتعليم الناس كيف يعيشون، وإنما تتصل بنظام الدولة، فالصحابة في هذه الرسالة، إنما يراد بهم صحابة الحكام والملوك، أو كما نقول الآن: حاشيتهم وجنودهم ورعيتهم، فهي تعرض لسياسة الدولة العامة، وقد يكون ابن المقفع زاد عليها تطبيقًا لأحوال الرعية الإسلامية والدولة العباسية، ولكنه على كل حال استمد في هذه الرسالة من أنظمة الملك الساسانية.
وعلى هذا حمل ابن المقفع إلى العرب، والعربية أروع ما أنتجته العبقرية الإيرانية قبل الإسلام، مما كان له أثر كبير في الآداب العباسية، سواء منه ما اتصل بالأخلاق، وما اتصل بتاريخ الساسانيين، ومن سبقوهم من ملوك إيران، وكذلك ما اتصل بأنظمة ملكهم وحكمهم للرعية، ولم يكتف بذلك فقد نقل أيضا أجزاء من منطق أرسطو، كما نقل قصص كليلة ودمنة، وعنه نقلت إلى السريانية والعبرانية، واليونانية والفارسية الحديثة كما نقلت إلى اللغات الأوربية.
والطريف أن حين قام بنقل هذا كله إلى لغتنا العربية لم تستعص عليه تلك اللغة، بل أظهرت من المرونة ما استطاعت به أن تحمل هذا التراث كله، ومن غير شك كانت كثرته إن لم يكن كله جديدة عليها، بمعانيها ومدلولاتها التي لم يكن يعرفها عرب الصحراء، ولا نريد أن نبالغ، فنقول: إن ابن المقفع أصاب التوفيق في كل ما ترجم، إذ يظهر أن ترجمته لمنطق أرسطو أو لأجزائه لم تكن موفقة كل التوفيق، ومن ثم حمل عليه الجاحظ في ترجمته لمعاني أرسطو١، ومن الحق أن ترجمة هذا المنطق لا تعد مقياسا عاما لترجمته، إذ كلنا نعرف صعوبة ترجمة الفلسفة، فما بالنا إذا كانت هذه الترجمة تصاغ لأول مرة، وعلى