للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كل حال إذا كان التوفيق قد أخطأه في ترجمة أرسطو، فإنه لزمه في ترجمة كليلة ودمنة، وما ترجمه من تراث الأدب الفارسي.

وربما كانت حملة الجاحظ عليه في ترجمته لمنطق أرسطو، هي التي دفعت طه حسين إلى حملته على أساليب حملة عامة، فذهب يقول: إن "له عبارات من أجود ما نقرأ في العربية، وبنوع خاص في الأدب الكبير وفي كليلة ودمنة، ولكنه عندما يتناول المعاني الضيقة التي تحتاج إلى الدقة في التعبير يضعف، فيكلف نفسه مشقة ويكلف اللغة مشقة"، ويشبهه بالمستشرقين الذين يحسنون اللغة العربية فهما، وربما أعياهم الأداء فيها، وينصح لطلاب الأدب أن يحتاطوا عندما يريدون أن يتخذوا ابن المقفع نموذجا للتعبير والبلاغة، ويسوق دليلا على حكمه بعض أمثلة قليلة، نلاحظ في تضاعيفها اضطرابها في الضمائر، وكأنما فاته أن آثار ابن المقفع مضى عليها أكثر من ألف عام، قبل أن تطبع، كانت تتداولها فيها أيدي الناسخين الجانية، وأن ما لاحظه ربما رجعت آفاته إلى أصناف هؤلاء الناسخين.

والحق أن طه حسين بالغ حين عده كأحد المستشرقين، وهو قد نشأ في بيئة عربية وفي آل الأهتم، وكان شاعرًا كما كان كاتبًا، وقد وجد في نفسه من قوة البيان ما جعله إمام المترجمين في عصره، وقد جعله صاحب الفهرست من البلغاء العشرة الذين قاموا على رأس أدباء العصر العباسي وكتابه١، وما زال القدماء يستشهدون بآرائه في الفصاحة والبلاغة، من ذلك قول الجاحظ في بيانه٢: "لم يفسر البلاغة تفسير ابن المقفع أحد قط، سئل ما البلاغة؟ قال: البلاغة اسم جامع لمعان تجري في وجوه كثيرة، فمنها ما يكون في السكوت، ومنها ما يكون في الاستماع، ومنها ما يكون في الإشارة، ومنها ما يكون في الحديث، ومنها ما يكون في الاحتجاج، ومنها ما يكون جوابا، ومنها ما يكون ابتداء، ومنها ما يكون شعرا، ومنها ما يكون سجعا وخطبا، ومنها ما يكون رسائل، فعامة ما يكون من هذه الأبواب الوحي فيها والإشارة إلى المعنى أبلغ، والإيجاز هو البلاغة"٢.


١ الفهرست ص ١٨٢.
٢ البيان والتبيين ١/ ١١٥.

<<  <   >  >>