للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنده الأمول، ووطئت عقبة الرجال١، وتضرمت بجسده جوانح الأكفاء، وتقطعت بمنافسته أنفاس النظراء، نزت به بطنته٢، وأدركته شقوته، ونزغ له شيطانه، وامتدت في الغي أشطانه٣، فنصب أشراكه وحبائله، وأعمل مكايده، ومخاتله".

وأول ما نلاحظ على هذه القطعة أن الصابي عني بتقصير سجعه، فإن هو أطاله نغم العبارتين تنعيما يجعلك تظن أنهما قصيرتان، فالألفاظ تتعادل وتتوازن على نحو ما مر بنا عند أستاذ المذهب ابن العميد، وملاحظة ثانية هي أنه يعنى بالتصير كما يعنى قليا بالجناس، وهذه هي صورة كتابة الصابي، فهو يشغف بحلية السجع؛ وهو يوفر لها ضروبًا مختلفة من النغم، وإن هذا التوفير ليتمادى به، فإذا هو يعني بالمقابلة الدقيقة بين أول العبارتين حتى تتشابه السجعتان في أطرافهما: في أولهما وآخرهما، وهو لا يعمم ذلك في رسائله، ولكنه يجنح إليه كثيرًا على نحو ما نرى في نفس هذه القطعة، وكل ذلك ليستتم ما يريد من صوت وموسيقي، واستمع إليه بكتب إلى عضد الدولة يهنئه بسنة جديدة على هذه المشاركة٤:

"أسأل الله تعالى مبتهلًا لديه، مادًا يدي إليه، أن يحيل على مولانا. هذه السنة وما يتلوها من أخواتها بالصالحات الباقيات، وبالزائدات الغامرات، ليكون كل دهر يستقبله، وأمد يستأنفه، موفيًا على المتقدم له، قاصرًا عن المتأخر عنه، ويوفيه من العمر أطوله وأبعده؛ ومن العيش أعذبه وأرغده، عزيزًا منصورًا، محميًا موفورًا، باسطًا يده فلا يقبضها إلا على نواصي أعداء وحساد، ساميًا طرفه، فلا يغضه إلت على لذة غمض ورقاد، مستريحة ركابه فلا يعملها إلا لاستضافة عز وملك فائزة قداحة، فلا يجيلها إلا لحيازة مال وملك، حتى ينال أقصى ما تتوجه إليه أمنيته جامحًا، وتسموى إليه همته طامحًا".


١ وطئت عقبه الرجال: كثرت أتباعه.
٢ البطنة: الامتلاء من الطعام.
٣ أشطانه: حباله.
٤ اليتيمة ٢/ ٢٢٢.

<<  <   >  >>