هامتي لقلبت عن ذكرها قلبي، لكني أكره أن يعرى نحره من قلائد الحمد، ويجتنب جبينه إكليل المجد.. ولا يعجبني أن يكسو ضوء مكارمه كلف الخمول، ويأذن لطوالع معاليه بالأفول، فإن فضل سيدي الحمود على الوقود، والعدم على الوجود، ونزل من شاهق إلى خفض، ومن حالق إلى أرض وهاجر بهجره، وأصر على صرمه، ومال إلى الملال، ولم يصل نار الوصال، حللت عنه معقود خنصري، وشغلت عن الشغل به خاطري، بل محوت ذكره عن صفحة فؤادي، واعتددت وده فيما سال به الوادي:
ففي الناس إن رثت حبالك واصل ... وفي الأرض عن دار القلى متحول"
وأنت ترى شيات التصنع واضحة في هذه الرسالة، لا بما يعمد إليه قابوس من مبالغات وصور غريبة فحسب، بل بما يعمد إليه من استخدام الجناس استخدامًا معقدًا، وإنه لتقعيد يبدو في جميع جوانب الرسالة، وانظر إليه في مستهلها يجانس بين عوجه، وعوده، وهو جناس نراه في جميع رسائله، إذ يعمد إلى المغايرة في بعض الحركات، أو بعض الحروف، فاذا هو يقع على مثل هذا الجناس الذي يمكن أن نسميه جناس الخط، وقد يكون لجمال خطه أثر فيه، يقول العتبي: "أما خطه فسمه إن شئت وشيًا محبوكًا، أو تبرًا مسبوكًا، أو درًا مفصلًا، أو سحرًا محصلًا، وكان إسماعيل بن عباد "الصاحب"، إذا قرأ خطه يقول: هذا خط قابوس، أم جناح طاووس"١.
وأفرط في استخدام هذا الجناس الخطي، إذ تعود أن يعيد الكلمة، التي كتبها بشكل جميل مرة أخرى مع إعطائها حركة جديدة، أو مع تبديل بعض حروفها، فإذا هو يكثر من هذا الجناس في رسائله إكثارًا، واستمر في قراءة الرسالة، فسترى هذه السجعة، "ولا يخال لفيئته مخيلة، ولا يحال تنكره بحيلة". وواضح أنه جانس هنا جناسًا خطيًا بين يخال، ويحال كما جانس نفس الجناس بين مخيلة ومحيلة، وليس ذلك كل ما عني به، فقد عني بشيء.