حتى تتسع لأكثر ما يمكن من هذه الألفاظ، وماذا في رسالة أبي العلاء التي قرأناها الآن من معان، سوى أنه أراد أن يصف شوقه إلى صاحبه، فذهب يبالغ ويلف ويدور على هذا النحو، فإذا هو يصور أسفه على فراقه بأسف ساق حر ينوح على إلف غادره، وإنه ليطيل في هذا المعنى ويبعد، حتى يأتي بكل ما يستطيع من لفظ غريب.
وإذا كانت هذه الطرفة من إغراب اللفظ لا تروقك عند أبي العلاء، فلا تظن أنه لا يستطيع أن يأتيك بطرفة أخرى، فهو صاحب الطرف الحديثة في فن النثر، يأتي باللفظ الغريب، ويأتي بما يشبه هذا اللفظ أحيانًا أخرى، لكن أي شيء يشبه ذلك اللفظ؟ لقد فكر أبو العلاء وقدر، فإذا هو يقع على طرفة جديدة لم يسبقه أحد إليها، أو على الأقل لم يتصنع لها أحد، كما تصنع هو لها في آثاره، ونقصد طرفة المصطلحات العلمية، وخاصة مصطلحات علوم اللغة، فقد أكثر من تصنعه لها في أعماله من رسائل وغير رسائل، واسمتع إليه يقول في إحدى رسائله١:
"حرس الله سيدنا حتى تدغم الطاء في الهاء، فتلك حراسة بغير انتهاء، وذلك أن هذين ضدان، وعلى التضاد متباعدان، رخو وشديد، وهاو وذو تصعيد، وهما في الجهر والهمس، بمنزلة غد وأمس، وجعل الله رتبته التي كالفعل والمبتدأ، نظير الفعل فإنها لا تنخفض أبدًا، فقد جعلني إن حضرت عرف شاني، وإن غبت لا يجهل مكاني، كيا في النداء، والمحذوف من الابتداء إذ قلت: زيد أقبل، والإبل والإبل، بعد ما كنت كهاء الوقف، إن ألقيت فبواجب، وإن ذكرت فغير لازب، إني وإن غدوت في زمن كثير الدد "الهلو واللعب"، كهاء العدد لزمت المذكر، فأتت بالمنكر؛ مع ألف يراني في الأًل، كألف الوصل، يذكرني لغير الثناء، ويطرحني عند الاستغناء، وحال كالهمزة تبدل العين، وتجعل بين بين، وتكون تارة حرف لين، وتارة مثل الصامت الرصين،