للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفخ الطيب فصولًا طويلة استعرض فيها من رحلوا من الأندس إلى المشرق، ومن المشرق إلى الأندلس، ومن هذه الفصول نتبين الصلة الشديدة بين الجانبين.

ومن يتابع الحركة العلمية في الأندلس، يجد أن الأندلس كانت في القرون الأولى للفتح الإسلامي بطيئة في تلقي الحياة العقلية، وعنيت في أول الأمر بالعلوم الدينية واللغوية، أما العلوم الفلسفية، فكانت تنفر منها، لما فيها من زندقة، وكان ملوكهم كثيرًا ما يأمرون بإحراقها إذا وجدوها، "وبذلك تقرب المنصور بن أبي عامر لقلوبهم أول نهوضه"١، ولعل ذلك هو سبب بطء ظهور المتفلسفة هناك، فإن أول فيلسوف أندلسي، هو ابن باجة المتوفى عام ٥٣٣هـ، وكان بطء تناولهم الفلسفة، وما يتصل به من منطق أثر في أن عقولهم لم تصطبغ بالصبغة العلمية، التي تؤهلهم لوضع دراسات نظرية كبيرة، ولعل ذلك نفسه كان أحد الأسباب، التي من أجلها لم تظهر عندهم دراسات أدبية جيدة.

وإذا كانت الأندلس لم تتميز في شخصيتها العلمية بصفات واضحة تفصلها من المشرق، بل كانت تؤسس على الأصول المشرقية حركتها العلمية، فإنها كذلك في شخصيتها الأدبية، كانت تؤصل حركتها الفنية على الأصول المشرقية، حتى ليقول صاحب الذخيرة في مقدمته لهذا الكتاب، الذي عني فيه بدراسة أدباء الأندلس في القرن الخامس للهجرة: "إن أهل هذا الأفق أبوا إلا متابعة أهل المشرق، يرجعون أخبارهم المعتادة رجوع الحديؤث إلى قتادة، حتى لو نعق بتلك الآفاق غراب، أو طن بأقصى الشام والعراق ذباب، لجثوا على هذا صنمًا، وتلوا ذلك كتابًا محكمًا"، وقد كتب ابن شهيد رسالة التوابع والزوابع وعرض فيها لشياطين الشعراء، والكتاب الذين أجازوه، وكلهم من شعراء المشرق وكتابه٢، وكانوا لا يزالون يرددون، حتى عصر ابن خلدون في القرن


١ نفح الطيب ١/ ١٠٤.
٢ انظر الرسالة بأكملها في الذخيرة "نشر كلية الآداب بجامعة القاهرة" ١/ ٢١٠.

<<  <   >  >>