اليأس، لم يتأخر طويلا عن أن يصحو من رجة هذه الصدمة العنيفة التي ضعضعت حواسه لشدة وقعها. وبعث فيه هذا الخطب الداهم يقظة نفسية وردّ فعل شديد، فراح يلم شعثه ويتدبر أموره؛ ثم تحفّز للهجوم. وكان زعيم هذه اليقظة عماد الدين زنكي بن آق سنقر (٥٢١- ٥٤١ هـ. ١١٢٧- ١١٤٦ م) كبير أتابكة الموصل. فلم يدخل عام ١١٤٤ الميلادي (٥٣٩ هـ) إلا وجدناه يهاجم الإمارات الصليبية من جناحها الأيسر ويهزم جيوشها شر هزيمة ويستعيد الرها. فلم يلبث خبر هذا الظفر الإسلامي أن ذاع في أوروبة النصرانية التي كانت تتنسم أخبار الصليبيين في الشرق وتمدهم بالمال والرجال. فثارت هواجسها على مصير الدولة الفتية التي أقامتها في الشرق ببذل الكثير من التضحيات والجسيم من المتاعب. فجردت حملة صليبية أخرى بقيادة كنراد الثالث عاهل ألمانية وإمبراطور رومة المقدسة، ولويس السابع ملك فرنسة. لكن هذه الحملة عجزت عن استرجاع الرها.
وفي عام ٥٤١ هـ. (١١٤٦ م) مات عماد الدين زنكي قتيلا بيد جماعة من مماليكه. فولي أمر الموصل بعده ولده سيف الدين غازي.
وكان ولده الأكبر محمود نور الدين بالشام، وله حلب وحماة. فاتبع سيرة أبيه بمناجزة الصليبيين، وراح يصد هجماتهم ويرد غاراتهم، فكان هدفه الأسمى أن يطرد الصليبيين نهائيا من الشرق الإسلامي.
فبذل همة قعساء في جمع أتابكة السلاجقة في وحدة محكمة وبذلك عظم أمره واشتد ساعده. فانتهز فرصة خلاف كان قائما بين وزيري الخليفة الفاطمي بمصر، فأرسل إليها اثنين من قواده هما شيركوه