وصلاح الدين الأيوبي، وانتهى هذا التدخل بأن تولى الأول شؤون مصر نائبا عن نور الدين ثم تولاها صلاح الدين من بعده. وكان غرض نور الدين من تدخله في شؤون مصر أن يضرب حول الدولة الصليبية في الشرق نطاقا من الحصار وطوقا من حديد، فيتسنى له بذلك إنزال ضربته الحاسمة.
لكن الدولة اللاتينية استشعرت هذا الخطر الذي بات يهددها من جانب مصر، فأرادت أن تلاقيه في منتصف الطريق؛ وتلمست النطاق المحيط بها فلم تجد أمامها مفتوحا سوى باب البحر. لذلك استنجدت بالدول النصرانية البحرية الثلاث التي كانت يومئذ تسيطر على البحر المتوسط- البندقية وبيزة وجنوة. لكن هذه الجمهوريات كانت في شغل عن المشرق بمشاحنات ومنافسات كانت قائمة بينها، فاضطر أملريك Amalric صاحب القدس أن يتولى- تدارك الخطر- معتمدا على نفسه، فقاد حملة نزلت بر مصر في تشرين الثاني سنة ١١٦٨ م (٥٦٤ هـ) وكان في مصر حينئذ الأمير شاور يحكمها باسم العاضد لدين الله آخر خلفاء الفاطميين. فقدّر لهذه الحملة الصليبية أن تنال قسطا وافرا من النجاح في أول أمرها، إذ تقدمت نحو شاطئ النيل وكادت تستولي على الفسطاط، لولا أن آثر أهلها إضرام النار بمدينتهم على تسليمها للأعداء، فدبّ الذعر في صفوف الصليبيين وحل بينهم الارتباك، فأدركتهم جيوش نور الدين يقودها البطل المغوار صلاح الدين يوسف بن أيوب، فآل الأمر إلى دحر الصليبيين وإخراجهم من مصر نهائيا.