الزاد على النفاد، وهلك بعض الجند والخيل جوعا. فأحضر الملك دليل الجيش بين يديه واستوضح منه جلية الأمر. فأخبره هذا بأنه قد ضل الطريق. فغضب الملك وأمر بقطع رأس الدليل. ثم نادى المنادون يوصون الجند بالتقتير بالزاد، وأن يقاسم من يحمل شيئا منه صاحبه.
وذبحت الخيل لأطعام الجيوش خوفا من هلاكه عن آخره.
وبعد مسيرة ثلاثة عشر يوما أشرفوا على جبال نيسابور حيث يقيم اليهود. وكان وصولهم إليها في يوم سبت. فضربوا خيامهم بين الرياض والبساتين المثمرة على عين ماء بالقرب من نهر غوزان، فعاثوا بالأشجار، يأكلون فاكهتها ويقطعون عيدانها، لكنهم لم يجدوا حولها إنسيا واحدا. وكانت المدن والقلاع تظهر لعيانهم عن بعد. فأوفد الملك رسولين من جنده لاستطلاع خبر القوم. ولما بلغ الرسولان شاطئ النهر، وجدا عليه قنطرة عظيمة فوقها الأبراج الحصينة، وبرأسها باب ضخم محكم الإيصاد، وفي عدوة النهر من الجانب الآخر مدينة كبيرة.
فصاح الرسولان تنبيها لمن على الجسر بحضورهما. فخرج إليهما رجل يسألهما عن هويتهما ووجهتهما، لكنهما لم يفقها حديثه.
وبعده حضر ترجمان يفهم لغة الرسولين، فلما سألهما عن أمرهما وما يريدانه، أجابا:«إننا من عسكر ملك العجم وقد جئنا نستطلع شأنكم ونعرف الملك الذي يحكمكم» . فقال الرجلان:«إننا يهود، لا نعرف لنا ملكا غير رئيسنا، وهو يهودي مثلنا.»
وعندها سألهما الرسولان عن قبائل الغز من كفار الترك. فأجاب اليهوديان:«إنهم أحلافنا. ومن آذاهم فهو عدونا» .