للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبعين نبياً فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الغار واطمأن به وصاحبه الصديق معه نسجت العنكبوت من حينها على باب الغار وصنعت الحمامة عشاً وفرخت فيه بإذن الله تعالى فانتهى المشركون ومعهم قصاص الأثر إلى الغار فقالوا ها هنا انقطع الأثر ورأوا العنكبوت قد نسج على فم الغار والحمام مفرخة فقالوا ما دخل أحد هنا وانصرفوا فقال الصديق يا رسول الله لو ولجوا علينا منه قال كنا تخرج من هنا وأشار بيده المباركة إلى الجانب الآخر ولم يكن فيه باب فانفتح فيه باب بمقدرة الملك الوهاب١.

والناس يقصدون زيارة هذا الغار المبارك فيرومون دخوله من الباب الذي دخل منه النبي صلى الله عليه وسلم تبركا بذلك فمنهم من يتأتي له. ومنهم من لا يتأتى وينشب فيه حتى يتناول بالجذب العنيف ومن الناس من يصل أمامه ولا يدخله وأهل تلك البلاد يقولون إنه من كان لرشده دخله ومن كان لزنية لم يقدر على دخوله ولهذا يتحاشاه كثير من الناس لأنه مخجل فاضح. قال ابن جزي: أخبرني بعض أشياخنا الحجاج الأكياس أن سبب صعوبة الدخول إليه هو أن بداخله مما يلي الشق الذي يدخل منه حجراً كبيراً معترضاً. فمن دخل من ذلك الشق منبطحاً على وجهه وصل رأسه إلى ذلك الحجر، فلم يمكنه التولج، ولا يمكنه أن ينطوي إلى العلو، ووجهه وصدره يليان الأرض. فذلك هو الذي


١ ذكر الإمام أبو الفداء ابن كثير في السيرة النبوية أن الصديق رضي الله عنه قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما"، وذكر أن هذا مخرج في الصحيحين، وقال بعد ذلك: وقد ذكر بعض أهل السير أن أبا بكر لما قال ذلك قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لو جاؤونا من ها هنا لذهبنا من هنا"، فنظر الصديق إلى الغار قد انفرج من الجانب الآخر وإذا البحر قد اتصل به، وسفينة مشدودة إلى جانبه.
وقد ورد هذا كذلك في السيرة النبوية لأحمد زيني وحلان منسوباً إلى بعض أهل السير، ولم يحدد الإمام ابن كثير، أو زيني وحلان من هم أهل السير الذين قالوا ذلك، وقال ابن كثير بعد ذلك: "وهذا ليس بِمُنكر من حيث القدرة العظيمة، ولكن لم يرد ذلك بإسنادٍ قويّ ولا ضعيف، ولسنا نثبت شيئاً من تلقاء أنفسنا، ولكن ما صحّ أو حسن سنده قلنا به".
وقال أحمد زيني وحلان: "وهذا ليس بِمنكر من حيث القدرة العظيمة، ولا بِمُستبعدٍ بالنسبة لمعجزته العميمة صلى الله عليه وسلم، وإن كان الذي ذكره ما ذكر له إسناداً متصلاً لكن حسن الظن بالأئمة يقتضي أنهم لا يذكرون مثل ذلك إلاّ بتوقيف".

<<  <  ج: ص:  >  >>