ينشب ولا يخلص إلا بعد الجهد والجذب إلى خارج ومن دخل منه مستلقياً على ظهره أمكنه، لأنّه إذا وصل رأسه إلى الحجر المعترض رفع رأسه، واستوى قاعداً، فكان ظهره مستنداً إلى الحجر المعترض وأوسطه في الشق ورجلاه من خارج الغار ثم يقوم قائماً بداخل الغار.
ومما اتفق بهذا الجبل لصاحبين من أصحابي أحدهما الفقيه المكرم أبو محمد عبد الله بن فرحان الأفريقي التوزري والآخر أبو العباس أحمد الأندلسي الوادي آشي أنهما قصدا الغار في حين مجاورتهما بمكة شرفها الله تعالى في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وذهبا منفردين لم يستصحبا دليلاً عارفاً بطريقه فتاها وضلا طريق الغار وسلكا طريقا سواها منقطعة وذلك في أوان اشتداد الحر وحمى القيظ فلما نفد ما كان عندهما من الماء وهما لم يصلا إلى الغار أخذا في الرجوع إلى مكة شرفها الله تعالى فوجدا طريقا فاتبعاه وكان يفضي إلى جبل آخر واشتد بهما الحر وأجهدهما العطش وعاينا الهلاك وعجز الفقيه أبو محمد عبد الله بن فرحان عن المشي جملة وألقى بنفسه إلى الأرض ونجا الأندلسي بنفسه وكان فيه فضل قوة ولم يزل يسلك تلك الجبال حتى أفضى به الطريق إلى أجياد فدخل إلى مكة شرفها الله تعالى وقصدني وأعلمني بهذه الحادثة وبما كان من أمر عبد الله التوزري وانقطاعه في الجبل وكان ذلك في آخر النهار ولعبد الله المذكور ابن عم اسمه حسن وهو من سكان وادي نخلة وكان إذ ذاك بمكة فأعلمته بما جرى على ابن عمه وقصدت الشيخ الصالح الإمام أبا عبد الله محمد بن عبد الرحمن المعروف بخليل إمام المالكية نفع الله به فأعلمته بخبره فبعث جماعة من أهل مكة عارفين بتلك الجبال والشعاب في طلبه وكان من أمر عبد الله التوزري أنه لما فارقه رفيقه لجأ إلى حجر كبير فاستظل بظله وأقام على تلك الحالة من الجهد والعطش والغربان تطير فوق رأسه وتنتظر موته فلما انصرم النهار وأتى الليل وجد في نفسه قوة ونعشه برد الليل فقام عند الصباح على قدميه ونزل من الجبل إلى بطن واد حجبت الجبال عنه الشمس فلم يزل ماشيا إلى أن بدت له دابة فقصد قصدها فوجد خيمة للعرب فلما رآها وقع إلى الأرض ولم يستطع النهوض فرأته صاحبة الخيمة وكان زوجها قد ذهب إلى ورد الماء فسقته ما كان عندها من الماء فلم يرو وجاء زوجها فسقاه قربة ماء فلم يرو