وأركبه حماراً له وقدم به مكة فوصلها عند صلاة العصر من الثاني متغيراً كأنه قام من قبر.
وكانت إمارة مكة في عهد دخولي إليها للشريفين الأجلين الأخوين أسد الدين رميثة وسيف الدين عطيفة ابني الأمير أبي نمي بن أبي سعد بن علي بن قتادة الحسنيين ورميثة أكبرهما سنا ولكنه كان يقدم اسم عطيفة في الدعاء له بمكة لعدله ولرميثة من الأولاد أحمد وعجلان، وهو أمير مكة في هذا العهد، وتقية وسند وأم قاسم، ولعطيفة من الأولاد محمد ومبارك ومسعود. ودار عطيفة عن يمين المروة ودار أخيه رميثة برباط الشرابي عند باب بني شيبة وتضرب الطبول على باب كل واحد منهما عند صلاة المغرب من كل يوم.
أخبار أهل مكة وفضائلهم:
ويعرف أهل مكة بالأفعال الجميلة والمكارم التامة والأخلاق الحسنة والإيثار إلى الضعفاء والمنقطعين وحسن الجوار للغرباء ومن مكارمهم أنهم متى صنع أحدهم وليمة يبدأ فيها بالطعام للفقراء المنقطعين والمجاورين ويستدعيهم بتلطف ورفق وحسن خلق ثم يطعمهم وأكثر المساكين المنقطعين يكونون بالأفران حيث يطبخ الناس أخبازهم فإذا طبخ أحدهم خبزه واحتمله إلى منزله فيتبعه المساكين فيعطي لكل واحد منهم ما قسم له ولا يردهم خائبين ولو كانت له خبزة واحدة فإنه يعطي ثلثها أو نصفها طيب النفس بذلك من غير ضجر. ومن أفعالهم الحسنة أن الأيتام الصغار يقعدون بالسوق ومع كل واحد منهم قفتان كبرى وصغرى وهم يسمون القفة مكتلا فيأتي الرجل من أهل مكة إلى السوق فيشتري الحبوب واللحم والخضر ويعطي ذلك الصبي فيجعل الحبوب في إحدى قفتيه واللحم والخضر في الأخرى، ويوصل ذلك إلى دار الرجل ليهيأ له طعامه منها ويذهب الرجل إلى طوافه وحاجته فلا يذكر أن أحداً من الصبيان خان الأمانة في ذلك قط بل يؤدي ما حمل على أتم الوجوه ولهم على ذلك أجرة معلومة من فلوس. وأهل مكة لهم ظرف ونظافة في الملابس وأكثر لباسهم البياض فترى ثيابهم أبداً ناصعة ساطعة ويستعملون الطيب كثيرا ويكتحلون ويكثرون السواك بعيدان الآراك الأخضر. ونساء مكة فائقات الحسن برعات الجمال وذوات صلاح وعفاف وهن يكثرن التطيب حتى