شيراز، وهي مدينة أصلية البناء فسيحة الأرجاء شهيرة الذكر منيفة القدر لها البساتين المونقة والأنهار المتدفقة والأسواق البديعة والشوارع الرفيعة وهي كثيرة العمارة متقنة المباني عجيبة الترتيب وأهل كل صناعة في سوقها لا يخالطهم غيرهم حسان الصور نظاف الملابس وليس في المشرق بلدة تداني مدينة دمشق في حسن أسواقها وبساتينها وأنهارها وحسن صور ساكنيها إلا شيراز وهي في بسيط من الأرض تحف بها البساتين من جميع الجهات وتشقها خمسة أنهار أحدها النهر المعروف بركن آباد وهو عذب الماء شديد البرودة في الصيف سخن في الشتاء فينبعث من عين في سفح الجبل هنالك يسمى القليعة ومسجدها الأعظم يسمى بالمسجد العتيق وهو أكبر المساجد مساحة وأحسنها بناء وصحنه متسع مفروش بالمرمر ويغسل في أوان الحر في كل ليلة ويجتمع فيه كبار أهل المدينة كل عشية يصلون به المغرب والعشاء وبشماله باب يعرف بباب حسن يفضي إلى سوق الفاكهة وهي من أبدع الأسواق وأنا أقول بتفضيلها على باب البريد من دمشق وأهل شيراز أهل صلاح ودين وعفاف وخصوصاً نساؤها وهن يلبسن الخفاف، ويخرجن ملتحفات متبرقعات فلا يظهر منهن شيء، ولهن الصدقات والإيثار ومن غريب حالهن أنهن يجتمعن لسماع الواعظ في كل يوم اثنين وخميس وجمعة بالجامع الأعظم فربما اجتمع منهن الألف والألفان بأيديهن المراوح يروحن بها على أنفسهن من شدة الحر ولم أر اجتماع النساء في مثل عددهن في بلدة من البلاد. وعند دخولي إلى مدينة شيراز لم يكن لي هم إلا قصد الشيخ القاضي الإمام قطب الأولياء فريد الدهر ذي الكرامات الظاهرة مجد الدين إسماعيل بن محمد بن خداد ومعنى خداد عطية الله فوصلت إلى المدرسة المجدية المنسوبة إليه وبها سكناه وهي من عمارته فدخلت إليه رابع أربعة من أصحابي ووجدت الفقهاء وكبار اهل المدينة في انتظاره فخرج إلى صلاة العصر ومعه محب الدين وعلاء الدين ابنا أخيه وشقيقه روح الدين أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله وهما نائباه في القضاء لضعف بصره وكبر سنه فسلمت عليه وعانقني وأخذ بيدي إلى أن وصل إلى مصلاه فأرسل يدي وأومأ إلى أن أصلي إلى جانبه ففعلت وصلى العصر ثم قرئ بين يديه من كتاب المصابيح وشوارق الأنوار للصاغاني، وطالعاه نائباه بما جرى لديهما من القضايا وتقدم كبار المدينة للسلام عليه وكذلك عادتهم معه صباحاً ومساءً ثم سألني عن حالي وكيفية قدومي وسألني عن المغرب ومصر والشام والحجاز