وصل القاضي أمر أن يرمي به إلى الكلاب التي عنده وهي كلاب ضخام في أعناقها السلاسل معدة لأكل بني آدم فإذا أوتي بمن يسلط عليه الكلاب جعل في رحبة كبيرة مطلقا غير مقيد ثم بعثت تلك الكلاب عليه فيفر أمامها ولا مفر له فتدركه فتمزقه وتأكل لحمه فلما أرسلت الكلاب على القاضي مجد الدين ووصلت إليه بصبصت إليه وحركت أذنيها بين يديه ولم تهجم عليه بشيء فبلغ ذلك السلطان فخرج من داره حافي القدمين فأكب على رجلي القاضي يقبلها وأخذ بيده وخلع عليه جميع ما كان عليه من ثياب وهي أعظم كرامات السلطان عندهم وإذا خلع ثيابه كذلك على أحد كانت شرفاً له ولبنيه وأعقابه يتوارثونه ما دامت تلك الثياب أو منها وأعظمها في ذلك السراويل ولما خلع السلطان ثيابه على القاضي مجد الدين أخذ بيده وأدخله إلى داره وأمر نساءه بتعظيمه والتبرك به ورجع السلطان عن مذهب الرفض وكتب إلى بلاده أن يقر الناس على مذهب أهل السنة والجماعة وأجزل العطاء للقاضي وصرفه إلى بلاده مكرماً معظماً وأعطاه في جملة عطاياه مائة قرية من قرى جمكان وهو خندق بين جبلين طوله أربعة وعشرون فرسخاً يشقه نهر عظيم والقرى منتظمة بجانبيه وهو أحسن موضع بشيراز ومن قراه العظيمة التي تضاهي المدن قرية ميمن١، وهي للقاضي المذكور ومن عجائب هذا الموضع المعروف بجمكان أن نصفه مما يلي شيراز وذلك مسافة اثني عشر فرسخاً شديد البرد وينزل فيه الشيخ وأكثر شجره الجوز والجزء الآخر مما يلي بلاد هنج وبال وبلاد اللار في طيريق هرمز شديد الحر وفيه شجر النخيل.
وقد تكرر لي لقاء القاضي مجد الدين ثانية حين خروجي من الهند قصدته من هرمز متبركاً بلقائه وذلك سنة ثمان وأربعون. وبين هرمز وشيراز مسيرة خمسة وثلاثين يوماً فدخلت عليه وهو قد ضعف عن الحركة فسلمت عليه فعرفني وقام إلي فعانقني ووقعت يدي على مرفقه وجلده لاصق بالعظم لا لحم بينهما وأنزلني بالمدرسة حيث أنزلني أول مرة وزرته يوماً فوجدت ملك شيراز السلطان أبا إسحاق وسيقع ذكره قاعداً بين يديه ممسكاً بأذن نفسه وذلك هو غاية الأدب عندهم ويفعله الناس إذا قعدوا بين يدي الملك. وأتيت