فقدمتها بين يديه، فجعل إصبعه عليها وجعله على فيه ولم يزد على ذلك وأخبرني الأمير تلكتمور أن أحد الكبار من مماليك هذا السلطان وله من أولاده وأولاد أولاده نحو أربعين ولداً قال له السلطان يوماً كل الحلواء وأعتقكم جميعاً فأبى وقال لو قتلتني ما أكلتها. ولما خرجنا من مدينة القرم نزلنا بزاوية الأمير تلكتمور في موضع يعرف بسجاف. فبعث إلي أن أحضره عنده. فركبت إليه وكان لي فرس معد لركوبي يقوده خديم العربة فإذا أردت ركوبه ركبته وأتيت الزاوية فوجدت الأمير قد وضع بها طعاماً كثيراً فيه الخبز ثم أتوا بماء أبيض في صحاف صغار فشرب القوم منه وكان الشيخ مظفر الدين يلي الأمير في مجلسه وأنا أليه فقلت له ما هذا فقال هذا ماء الدهن فلم أفهم ما قال فذقته فوجدت له حموضة فتركته فلما خرجت سألت عنه فقال هو نبيذ يصنعونه من الدوقي وهم حنفية المذهب والنبيذ عندهم حلال ويسمون هذا النبيذ المصنوع من الدوقي البُوزة "بضم الباء الموحدة وواو مد وزاي مفتوح" وإنما قال الشيخ مظفر الدين ماء الدخن ولسانه فيه اللكنة الأعجمية فظننت أنه يقول ماء الدهن.
وبعد مسيرة ثمانية عشر منزلاً من مدينة القرم، وصلنا إلى ماء كثير نخوضه يوماً كاملاً وإذا كثر خوض الدواب والعربات في هذا الماء اشتد وحله وزاد صعوبة. فذهب الأمير إلى راحلتي وقدمني أمامه مع بعض خدامه وكتب لي كتاباً إلى أمير أزاق يعلمه أني أريد القدوم على الملك ويحضه على إكرامي. وسرنا حتى انتهينا إلى ماء أخر نخوضه نصف يوم.
ثم سرنا بعده ثلاثاً ووصلنا إلى مدينة أَزَاق "وضبط اسمها بفتح الهمزة والزاي وآخره قاف"، وهي على ساحل البحر حسنة العمارة، يقصدها الجنويون وغيرهم بالتجارات. وبها من الفتيان أخي بجقجي وهو من العظماء يطعم الوارد والصادر ولما وصل كتاب الأمير تلكتمور إلى أزاق وهو محمد خواجة الخوارزمي خرج إلى استقبالي ومعه القاضي والطلبة وأخرج الطعام فلما سلمنا عليه نزل بموضع أكلنا فيه ووصلنا المدينة ونزلنا بخارجها بمقربة من رابطة هنالك تنسب للخضر وإلياس عليهما السلام. وخرج شيخ من أهل أَزَاق يسمى برجب النهر ملكي نسبة إلى قرية بالعراق فأضافنا بزاوية له ضيافة حسنة. وبعد يومين من قدومنا قدم الأمير تلكتمور، وخرج الأمير محمد