لي أنها لما قربت من أبويها ترجلت وقبّلت الأرض بين أيديهما ثم قبّلت حافري فرسيهما وفعل كبار أصحابها مثل فعلها في ذلك. وكان دخولنا عند الزوال أو بعده إلى القسطنطينية العظمى وقد ضربوا نواقيسها حتى ارتجت الآفاق لاختلاف أصواتها ولما وصلنا الباب الأول من أبواب قصر الملك وجدنا به مائة رجل معهم قائد لهم فوق دكانة وسمعتهم يقولون سراكنوا سراكنوا، ومعناه المسلمون. ومنعونا من الدخول. فقال لهم أصحاب الخاتون: إنهم من جهتنا. فقالوا لا يدخلون إلا بإذن فأقمنا بالباب وذهب بعض أصحاب الخاتون فبعث من أعلمها بذلك وهي بين يدي والدها فذكرت له شأننا فأمر بدخولنا وعيّن لنا دار بمقربة من دار الخاتون وكتب لنا أمراً بأن لا نعترض حيث نذهب من المدينة ونودي بذلك في الأسواق وأقمنا بالدار ثلاثاً فبعث إلينا الضيافة من الدقيق والخبز والغلة والدجاج والسمن والفاكهة والحوت والدراهم والفرش. وفي اليوم الرابع دخلنا على السلطان.
واسمه تَكْفُور "بفتح التاء المثناة وسكون الكاف وضم الفاء وواو وراء" بن السلطان جرجيس. وأبوه السلطان جرجيس بقيد الحياة، لكنه تزهد وترهب وانقطع للعبادة في الكنائس، وترك الملك لولده وسنذكره. وفي اليوم الرابع من وصولنا إلى القسطنطينية بعث إليّ الخاتون الفتى سنبل الهندي فأخذ بيدي وأدخلني إلى القصر فجزنا أربعة أبواب في كل باب سقائف بها رجال وأسلحتهم وقائدهم على دكانة مفروشة فلما وصلنا إلى الباب الخامس تركني الفتى سنبل ودخل ثم أتى ومعه أربعة من الفتيان الروميين ففتشوني لئلا يكون معي سكين وقال لي القائد تلك عادة لهم لا بد من تفتيش كل من يدخل على الملك من خاص أو عام غريب أو بلدي وكذلك الفعل بأرض الهند ثم لما فتشوني قام الموكل بالباب فأخذ بيدي وفتح الباب وأحاط بي أربعة من الرجال أمسك اثنان بكمي واثنان من ورائي فدخلوا بي إلى مشور كبير حيطانه بالفسيفساء قد نقش فيها صور المخلوقات من الحيوانات والجماد في وسطه ساقية ماء ومن جهتها الأشجار والناس واقفون يميناً ويساراً سكوتاً لا يتكلم أحد منهم وفي وسط المشور ثلاثة رجال وقوف أسلمني أولئك الأربعة إليهم فأمسكوا بثيابي كما فعل الآخرون وأشار إليهم رجل فتقدموا بي وكان أحدهم يهودياً فقال لي بالعربي لا تخف فهكذا عادتهم أن يفعلوا بالوارد وأنا