جميع ما كان عندي للفقراء والمساكين وأقمت عنده مدة فكنت أراه يواصل عشرة أيام وعشرين يوماً ويقوم أكثر الليل ولم أزل معه حتى بعث عني السلطان ونشبت في الدنيا ثانية. والله تعالى يختم بالخير وسأذكر ذلك فيما بعد أن شاء الله تعالى وكيفية رجوعي إلى الدنيا.
وحدثني الفقيه الإمام العلامة قاضي القضاة بالهند كمال الدين محمد بن البرهان الغزنوي الملقب بصدر الجهان أن مدينة دهلي افتتحت من أيدي الكفار في سنة أربع وثمانين وخمسمائة وقد قرأت أنا ذلك مكتوباً على محراب الجامع الأعظم بها، وأخبرني أيضاً أنها افتتحت على يد الأمير قطب الدين أيبك "واسمه بفتح الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة" وكان يلقب سياه "سالار"، ومعناه مقدم الجيوش. وهو أحد مماليك السلطان المعظم شهاب الدين محمد بن سام الغوري ملك غزنة وخراسان المتغلب على ملك إبراهيم بن السلطان الغازي محمود بن سبكتكين الذي ابتدأ فتح الهند. وكان السلطان شهاب الدين المذكور بعث الأمير قطب الدين بعسكر عظيم ففتح الله عليه مدينة لاهور وسكنها وعظم شأنه وسعي به إلى السلطان وألقى إليه جلساؤه أنه يريد الانفراد بملك الهند وأنه قد عصى وخالف وبلغ هذا الخبر إلى قطب الدين فبادر بنفسه وقدم على غزنة ليلاً ودخل على السلطان ولا علم عند الذين وشوا به إليه فلما كان بالغد قعد السلطان على سريره وأقعد أيبك تحت السرير بحيث لا يظهر وجاء الندماء والخواص الذين سعوا به فلما استقر بهم الجلوس سألهم السلطان عن شأن أيبك فذكروا له أنه عصى وخالف وقالوا قد صح عندنا أنه ادعى الملك لنفسه فضرب السلطان سريره برجله وصفق بيديه وقال يا أيبك قال لبيك وخرج عليهم فسقط في أيديهم وفزعوا إلى تقبيل الأرض، فقال لهم السلطان قد غفرت لكم هذه الزلة وإياكم والعودة إلى الكلام في أيبك وأمره أن يعود إلى بلاد الهند، فعاد إليها وفتح مدينة دهلي وسواها واستقر بها الإسلام إلى هذا العهد وأقام قطب الدين بها إلى أن توفي.
وكان السلطان شمس الدين لَلْمِش "وضبط اسمه بفتح اللام الأولى وسكون الثانية وكسر الميم وشين معجم"، أول من ولي الملك بمدينة دهلي مستقلاً به وكان قبل تملكه مملوكاً للأمير قطب الدين أيبك وصاحب عسكره ونائباً عنه، فلما