للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مات قطب الدين استبد بالملك وأخذ الناس بالبيعة فأتاه الفقهاء يقدمهم قاضي القضاة إذ ذاك وجيه الدين الكاساني فدخلوا عليه وقعدوا بين يديه وقعد القاضي إلى جانبه على العادة وفهم السلطان عنهم ما أرادوا أن يكلموه به فرفع طرف البساط الذي هو قاعد عليه وأخرج لهم عقداً يتضمن عتقه فقرأ القاضي والفقهاء وبايعوه جميعاً واستقل بالملك وكانت مدته عشرين سنة وكان عادلاً صالحاً فاضلاً ومن مآثره أنه اشتد في رد المظالم وإنصاف المظلومين، وأمر أن يلبس كل مظلومٍ ثوباً مصبوغاً، وأهل الهند جميعاً يلبسون البياض فكان متى قعد للناس أو ركب فرأى أحداً عليه ثوب مصبوغ نظر في قضيته وأنصفه ممن ظلمه ثم أنه أعيا في ذلك١ فقال أن بعض الناس تجري عليهم المظالم بالليل وأريد تعجيل إنصافهم فجعل على باب قصره أسدين مصورين من الرخام موضوعين على برجين هنالك وفي أعناقهما سلسلتان من الحديد فيهما جرس كبير فكان المظلوم يأتي ليلاً فيحرك الجرس فيسمعه السلطان وينظر في أمره للحين وينصفه. ولما توفي السلطان شمس الدين خلف من الأولاد الذكور ثلاثة وهم ركن الدين الوالي بعده ومعز الدين وناصر الدين وبِنتاً تسمى رضية هي شقيقة معز الدين منهم فتولى بعده ركن الدين كما ذكرناه.

ولما بويع ركن الدين بعد موت أبيه افتتح أمره بالتعدي على أخيه معز الذين فقتله وكانت رضية شقيقته فأنكرت ذلك عليه فأراد قتلها فلما كان في بعض أيام الجمع خرج ركن الدين إلى الصلاة فصعدت رضية على سطح القصر القديم المجاور للجامع الأعظم وهو يسمى دولة خانة ولبست عليها ثياب المظلومين وتعرضت للناس وكلّمتهم من أعلى السطح، وقالت لهم: أن أخي قتل أخاه وهو يريد قتلي معه، وذكرتهم أيام أبيها وفعله الخير وإحسانه إليهم فثاروا عند ذلك إلى السلطان ركن الدين وهو في المسجد فقبضوا عليه وأتوا به إليها فقالت لهم القاتل يقتل فقتلُوه قصاصاً بأخيه وكان أخوهما ناصر الدين صغيراً فاتفق الناس على تولية رضية.

ولما قتل ركن الدين اجتمعت العساكر على تولية أخته رضية الملك فولوها واستقلت بالملك أربع سنين وكانت تركب بالقوس والتركش والقربان


١ أي: أعجز غيره من الحكام أن يلحقوا به ويصنعوا صنيعه من العدل.

<<  <  ج: ص:  >  >>