كما يركب الرجال ولا تستر وجهها، ثم إنها اتهمت بعبدٍ لها من الحبشة فاتفق الناس على خلعها وتزويجها، فخلعت وزوجت من بعض أقاربها وولي الملك أخوها ناصر الدين.
ولماخلعت رضية ولي ناصر الدين أخوها الأصغر واستقل بالملك مدة ثم أن رضية وزوجها خالفا عليه وركبا في مماليكهما ومن تبعهما من أهل الفساد وتهيأ لقتاله وخرج ناصر الدين ومعه مملوكه النائب عنه غياث الدين بلبن متولي الملك بعده فوقع اللقاء وانهزم عسكر رضية وفرت بنفسها فأدركها الجوع وأجهدها الإعياء فقصدت حَرّاثاً رأته يحرث الأرض، فطلبت منه ما تأكله فأعطاها كسرة خبز فأكلتها وغلب عليها النوم وكانت في زي الرجال فلما نامت نظر إليها الحرّاث وهي نائمة فرأى تحت ثيابها قباء مرصعاً فعلم أنها امرأة فقتلها وسلبها وطرد فرسها ودفنها في فدانه وأخذ بعض ثيابها فذهب إلى السوق يبيعها فأنكر أهل السوق شأنه وأتوا به الشحنة وهو الحاكم فضربه فأقر بقتلها ودلهم على مدفنها فاستخرجوها وغسلوها وكفنوها ودفنت هنالك وبني عليها قبة وقبرها الآن يزار ويتبرك به١، وهو على شاطئ النهر الكبير المعروف بنهر الجون على مسافة فرسخ واحد من المدينة واستقل ناصر الدين بالملك بعدها واستقام له الأمر عشرين سنة. وكان ملكاً صالحاً ينسخ نسخاً من الكتاب العزيز ويبيعها فيقتات بثمنها. وقد وقفني القاضي كمال الدين على مصحف بخطة متقن محكم الكتابة ثم أن نائبه غياث الدين بَلَبَن قتله وملك بعده ولِبلبن هذا خبر ظريف نذكره.
ولما قتل غياث الدين بَلَبَن "وضبط اسمه بباءين موحدتين بينهما لام والجميع مفتوحات وآخرها نون"، مولاه السلطان ناصر الدين استقل بالملك بعده عشرين سنة وقد كان قبلها نائباً له عشرين سنة أخرى، وكان من خيار السلاطين عادلاً حليماً فاضلاً. ومن مكارمه أنه بنى داراً وسماها دار الأمن فمن دخلها من أهل الديون قضى دَينه ومن دخلها خائفاً أمن ومن دخلها وقد قتل أحداً
١ يدل ذلك على أن عوام الناس لا يميّزون بين الصالحين الذين يتبرّك بهم – أن جاز ذلك – وبين غيرهم، فليس كلّ من القبور أهل للتبرّك بهم، فالقبور بها الصالح ومستور الحال.