أرضى عنه أولياء المقتول ومن دخلها من ذوي الجنايات أرضى أيضاً من يطلبه، وبتلك الدار دفن لما مات وقد زرت قبره.
ويذكر أن أحد الفقراء بِبُخارى رأى بها بَلَبَن هذا وكان قصيراً حقيراً ذميماً، فقال له: يا تُركك وهي لفظة تعبر عن الاحتقار، فقال له: لبيك يا خوند، فأعجبه كلامه، فقال له: اشتر لي من هذا الرمان وأشار إلى رمان يباع بالسوق، فقال: نعم، وأخرج فليسات لم يكن عنده سواها واشترى له من ذلك الرمان فلما أخذها الفقير، قال له: وهبناك ملك الهند، فقبّل بَلَبَن يد نفسه وقال قبلتُ ورضيت واستقر ذلك في ضميره واتفق أن بعث السلطان شمس الدين لَلِمش تاجراً يشتري له المماليك بسمرقند وبخارى وترمذ، فاشترى مائة مملوك كان من جملتهم بلبن فلما دخل بالمماليك على السلطان أعجبه جميعهم إلا بلبن لما ذكرناه من دمامته، فقال: لا أقبل هذا، فقال له بلبن يا خوند عالم لمن اشتريت هؤلاء المماليك؟ فضحك منه، وقال: اشتريتهم لنفسي فقال اشترني أنا لله عز وجل، فقال نعم وقبله وجعله في جملة المماليك فاحتقر شأنه وجعل في السقائين وكان أهل المعرفة بعلم النجوم يقولون للسلطان شمس الدين أن أحد مماليكك يأخذ الملك من يد ابنك ويستولي عليه ولا يزالون يلقون له ذلك وهو لا يلتفت إلى أقوالهم لصلاحه وعدله إلى أن ذكروا ذلك للخاتون الكبرى أم أولاده فذكرت له ذلك وأثر في نفسه وبعث على المنجمين فقال أتعرفون المملوك الذي يأخذ ملك ابني إذا رأيتموه؟ فقالوا له نعم عندنا علامة نعرفه بها فأمر السلطان بعرض مماليكه وجلس لذلك فعرضوا بين يديه طبقة طبقة والمنجمون ينظرون إليهم ويقولون لم نره بعد وحان وقت الزوال فقال السقاؤون بعضهم لبعض إنا قد جعنا فلنجمع شيئاً من الدراهم ونبعث أحدنا إلى السوق ليشتري لنا ما نأكله فجمعوا الدراهم وبعثوا بها بلبن إذ لم يكن فيهم أحقر منه فلم يجد بالسوق ما أرادوه فتوجه إلى سوق أخرى وأبطأ وجاءت نوبة السقائين في العرض وهو لم يأت بعد فأخذوا زقه وماعونه وجعلوه على كاهل صبي وعرضوه على أنه بلبن فلما نودي اسمه جاز الصبي بين أيديهم وانقضى العرض ولم ير المنجمون الصورة التي تطلبوها، وجاء بلبن بعد تمام العرض لما أراد الله من إنفاذ قضائه ثم أنه ظهرت نجابته فجعل أمير السقائين ثم صار من جملة الأجناد، ثم من الأمراء ثم تزوج