للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أدائه لصاحبه يحضره رجال أخي السلطان عند القاضي لينصف منه.

ولما كان في سنة إحدى وأربعين أمر السلطان برفع المكوس عن بلاده وأن لا يؤخذ من الناس إلا الزكاة والعشر خاصة وصار يجلس بنفسه للنظر في المظالم في كل يوم اثنين وخميس برحبة إمام المشور ولا يقف بين يديه في ذلك اليوم إلا أمير حاجب وخاص حاجب وسيد الحجاب وشرف الحجاب لا غير ولا يمنع أحد ممن أراد الشكوى من الوقوف بين يديه وعين أربعة من كبار الأمراء يجلسون في الأبواب الأربعة من المشور لأخذ القصص من المشتكين والرابع منهم هو ابن عمه ملك فيروز فإن أخذ صاحب الباب الأول الرقع من الشاكي فحسن وإلا أخذه الثاني أو الثالث أو الرابع وإن لم يأخذوه منه مضى به إلى صدر الجهان قاضي المماليك فإن أخذه منه وإلا شكى إلى السلطان فإن صح عنده أنه مضى به إلى أحد منهم فلم يأخذه منه أدبه وكل ما يجتمع من القصص في سائر الأيام يطالع به السلطان بعد العشاء الآخرة.

ولما استولى القحط على بلاد الهند والسند واشتد الغلاء حتى بلغ مَنُّ١ القمح إلى ستة دنانير، أمر السلطان أن يعطى لجميع أهل دهلي نفقة ستة أشهر من المخزن بحساب رطل ونصف من أرطال المغرب لكل إنسان في اليوم صغيراً أو كبيراً حراً أو عبداً وخرج الفقهاء والقضاة يكتبون الأزمّة بأهل الحارات ويحضرون الناس ويعطى لكل واحد عولة ستة أشهر يقتات بها.

وكان على ما قدمنا من تواضعه وإنصافه ورفقه بالمساكين وكرمه الخارق للعادة، كثير التجاسر على إراقة الدماء، لا يخلو بابه عن مقتول إلا في النادر، وكنت كثيراً ما أرى الناس يقتلون على بابه ويطرحون هنالك ولقد جئت يوماً فنفر بي الفرس ونظرت إلى قطعة بيضاء في الأرض فقلت ما هذه؟ فقال بعض أصحابي هي صدر رجل قطع ثلاث قطع وكان يعاقب على الصغيرة والكبيرة، ولا يحترم أحداً من أهل العلم والصلاح والشرف وفي كل يوم يرد على المشور من المسلسلين والمغلولين والمقيدين مئين فمن كان للقتل قتل أو للعذاب عذب أو للضرب ضرب. وعادته أن يؤتى كل يوم بجميع من في سجنه من


١ المن: جمعه أمنان، كيل أو ميزان، وهو شرعاً ١٨٠ مثقالاً، وعرفاً ٢٨ مثقالاً. عن المنجد في اللغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>