شكت إليه بأن أحد مماليكه الخواص تعدى عليها في لبن كانت تبيعه فشربه ولم تكن لها بينة فأمر به فوسط فخرج اللبن من مصرانه وقد اتفق مثل هذه الحكاية للعتريس أحد أمراء الملك الناصر أيام إمارته على عيذاب واتفق مثل للملك كبك سلطان تركستان. ثم سافرت من طرابلس إلى حصن الأكراد وهو بلد صغير كثير الأشجار والأنهار بأعلى تل، وبه زاوية تعرف بزاوية الإبراهيمي نسبة إلى بعض كبراء الأمراء ونزلت عند قاضيها ولا أحقق الآن اسمه. ثم سافرت إلى مدينة حمص وهي مدينة مليحة أرجاؤها مونقة وأشجارها مورقة وأنهارها متدفقة وأسواقها فسيحة الشوارع وجامعها متميز بالحسن الجامع وفي وسطه ماء وأهل حمص عرب لهم فضل وكرم وبخارج هذه المدينة قبر خالد بن الوليد سيف الله ورسوله وعليه زاوية ومسجد وعلى القبر كسوة سوداء وقاضي هذه المدينة جمال الدين الشريشي من أجمل الناس صورة وأحسنهم سيرة. ثم سافرت منها إلى مدينة حماة إحدى أمهات الشام الرفيعة ومدائنها البديعة ذات الحسن الرائق والجمال الفائق تحفها البساتين والجنات عليها النواعير كالأفلاك الدائرات يشقها النهر العظيم المسمى بالعاصي ولها ربض سمي بالمنصورية أعظم من المدينة فيه الأسواق الحافلة والحمامات الحسان وبحماة الفواكه الكثيرة ومنها المشمش اللوزي إذا كسرت نواته وجدت في داخلها لوزة حلوة. قال ابن جزي: وفي هذه المدينة ونهرها ونواعيرها وبساتينها يقول الأديب الرحال نور الدين أبو الحسن علي بن موسى بن سعيد العبسي العماري الغرناطي نسبة لعمار بن ياسر رضي الله عنه.
حمى الله من حماةَ مناظراً ... وقفتُ عليها السمعَ والفكر والطرْفا