يا سادةً سكنوا حماةً وحقّكم ... ما حِلتُ عن تقوى وعن إخلاص
والطرف بعدكم إذا اذكر اللقا ... يجري المدامع طائعاً كالعاصي.
ثم سافرت إلى مدينة المعرة التي ينسب إليها الشاعر أبو العلاء المعري وكثير سواه من الشعراء. قال ابن جزي: وإنما سميت بمعرة النعمان لأن النعمان بن بشير الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي له ولد أيام إمارته على حمص، فدفنه بالمعرة، فعرف به. وكانت قبل ذلك تسمى ذات القصور. وقيل: أن النعمان جبل مطل عليها سميت به.
والمعرة مدينة كبيرة حسنة أكثر شجرها التين والفستق ومنها يحمل إلى مصر والشام وبخارجها على فرسخ منها قبر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ولا زاوية عليه ولا خديم له وسبب ذلك أنه وقع في بلاد صنف من الرافضة أرجاس يبغضون العشرة من الصحابة رضي لله عنهم ولعن مبغضهم ويبغضون كل من اسمه عمر وخصوصا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما كان من فعله في تعظيم علي رضي الله عنه. ثم سرنا منها إلى مدينة سرمين وهي حسنة كثيرة البساتين وأكثر شجرها الزيتون وبها يصنعون الصابون الأجري ويجلب إلى مصر والشام ويصنع أيضا
الصابون المطيب لغسل الأيدي ويصبغونه بالحمرة والصفرة ويصنع بها ثياب قطن حسان تنسب إليها وأهلها سبابون يبغضون العشرة ومن العجب أنهم لا يذكرون لفظ العشرة وينادي سماسرتهم بالأسواق على السلع فإذا بلغوا إلى العشرة قالوا وواحد وحضر بها بعض التراك يوما فسمع سمسارا ينادي تسعة وواحد فضربه بالدبوس على رأسه وقال قل عشرة بالدبوس. وبها مسجد جامع فيه تسع قباب ولم يجعلوها عشرة قياما بمذهبهم القبيح. ثم سرنا إلى مدينة حلب المدينة الكبرى والقاعدة العظمى قال أبو الحسين بن جبير في وصفها قدرها خطير وذكرها في كل زمان يطير خطابها من الملوك كثير ومحلها من النفوس أثير فكم هاجت من كفاح وسُلّ عليها من بيض الصفاح لها قلعة شهيرة الامتناع بائنة الارتفاع تنزهت حصانة من أن ترام أو تستطاع منحوتة الأجزاء موضوعة على نسبة اعتدال واستواء قد طاولت الأيام والأعوام ووسعت الخواص والعوام أين أمراؤها الحمدانيون وشعراؤها؟ فني جميعهم ولم يبق إلا بناؤها فيا عجبا لبلاد تبقى ويذهب