وأما هؤلاء فهم مسلمون محافظون على الصلوات وتعلم الفقه وحفظ القرآن. وأما نساؤهم فلا يحتشمن من الرجال ولا يحتجبن مع مواظبتهن على الصلوات. ومن أراد التزوج منهن تزوج، لكنهن لا يسافرون مع الزوج، ولو أرادت إحداهن ذلك لمنعها أهلها. والنساء هنالك يكون لهن الأصدقاء والأصحاب من الرجال الأجانب، وكذلك للرجال صواحب من النساء الأجنبيات ويدخل أحدهم داره فيجد امرأته ومعها صاحبها فلا ينكر ذلك.
ودخلت يوماً على القاضي بإيوالاتن بعد إذنه في الدخول، فوجدت عنده امرأة صغيرة السن بديعة الحسن، فلما رأيتها ارتبت وأردت الرجوع، فضحكت مني ولم يدركها خجل. وقال لي القاضي: لم ترجع؟ إنها صاحبتي. فعجبت من شأنهما فإنه من الفقهاء الحجاج وأخبرت أنه استأذن السلطان في الحج في ذلك العام مع صاحبته لا أدري أهي هذه أم لا؟ فلم يأذن له.
ودخلت يوما على أبي محمد بن يندكان المسوفي الذي قدمنا في صحتبه، فوجدته قاعداً على بساط وفي وسط داره سرير مظلل، عليه امرأة معها رجل قاعد وهما يتحدثان. فقلت له: ما هذه المرأة؟ فقال: هي زوجتي. فقلت: وما الرجل الذي معها؟ فقال: هو صاحبها. فقلت له: أترضى بهذا وأنت قد سكنت بلادنا وعرفت أمور الشرع. فقال لي: مصاحبة النساء للرجال عندنا على خير وحسن طريقة لا تهمة فيها، ولسن كنساء بلادكم. فعجبت من رعونته وانصرفت عنه فلم أعد إليه بعدها. واستدعاني مرات فلم أجبه. ولما عزمت على السفر إلى مالي وبينها وبين أيوالاتن مسيرة أربعة وعشرين يوماً للمجد اكتريت دليلاً من مسوفة إذ لا حاجة إلى السفر في رفقة لأمن تلك الطريق وخرجت في ثلاثة من أصحابي. وتلك الطريق كثيرة الأشجار وأشجارها عادية ضخمة تستظل القافلة بظل الشجرة منها وبعضها لا أعصان لها ولا ورق ولكن ظل جسدها بحيث يستظل به الإنسان وبعض تلك الأشجار قد استأسن داخلها واستنقع فيه ماء المطر فكأنها بئر ويشرب الناس من الماء الذي فيها. ويكون في بعضها النخل والعسل فيشتاره الناس منها. ولقد مررت بشجرة منها فوجدت في داخلها رجلاً حائكا قد نصب بها مرمته وهو ينسج فعجبت منه. قال ابن جزي: إن ببلاد الأندلس شجرتان من شجر القسطل في جوف كل واحدة منهما حائك ينسج الثياب وإحداهما بسندا وادي