إيوالاتن. ثم سرنا من زاغري فوصلنا إلى النهر الأعظم، وهو النيل١ وعليه بلدة كارْسَخُو "بفتح الكاف وسكون الراء وفتح السين المهمل وضم الخاء المعجم وواو"، والنيل ينحدر منها إلى كَابرَة "بفتح الباء الموحدة والراء"، ثم إلى زَاغَة "بفتح الزاي والغين المعجم"، ولكابرة وزاغة سلطانان يؤديان الطاعة لملك مالي، وأهل زاغة قدماء في الإسلام لهم ديانة وطلب للعلم، ثم ينحدر النيل من زاغة إلى تنبكتو ثم إلى كَوْكَوْ وسنذكرها، ثم إلى بلدة مُولِي "بضم الميم وكسر اللام" من بلاد الليميي، ن وهي آخر عمالة مالي، ثم إلى يوفي واسمها "بضم الياء آخر الحروف وواو مكسورة"، وهي من أكبر بلاد السودان وسلطانها من أعظم سلاطينهم. ولا يدخلها الأبيض من الناس لأنهم يقتلونه قبل الوصول إليها. ثم ينحدر منها إلى بلاد النوبة وهم على دين النصرانية، ثم إلى دُنْقُلة وهي أكبر بلادهم "وضبطها ضم الدال والقاف وسكون النون بينهما وفتح اللام"، وسلطانها يدعى بابن كنز الدين، أسلم على أيام الملك الناصر، ثم ينحدر إلى جنادل وهي آخر عمالة السودان وأول عمالة أسوان من صعيد مصر. ورأيت التمساح بهذا الموضع من النيل بالقرب من الساحل كأنه قارب صغير. ولقد نزلت يوماً إلى النيل لقضاء حاجة فإذا بأحد السودان قد جاء ووقف فيما يني وبين النهر. فعجبت من سوء أدبه وقلة حيائه، وذكرت ذلك لبعض الناس فقال: إنما فعل ذلك خوفاً عليك من التمساح فحال بينك وبينه. ثم سرنا من كارسخو فوصلنا إلى نهر صَنْصَرة "بفتح الصادين المهملين والراء وسكون النون" وهو على نحو عشرة أميال من مالي. وعادتهم أن يمنع الناس من دخولها إلا بإذن. وكنت كتبت قبل ذلك لجماعة البيضان وكبيرهم محمد بن الفقيه الجزولي وشمس الدين ابن النقويش المصري ليكتروا لي داراً، فلما وصلت إلى النهر المذكور جزت في المعدية ولم يمنعني أحد، فوصلت إلى مدينة مالي حضرة ملك السودان فنزلت عند مقبرتها ووصلت إلى محلة البيضان، وقصدت محمد بن الفقيه، فوجدته قد اكترى لي داراً إزاء داره، فتوجهت إليها.
١ وَهِمَ ابن بطوطة في قوله: إن النهر الأعظم الذي وصل إليه هو النيل، فإنما هو نهر النيجر، فهو الذي يمر بالبلدان التي ذكرها، ومنابعه في شمال سيراليون، وليبيريا، ويصب في المحيط الأطلسي، أما نهر النيل فتقع عليه دنقلة، وبلاد النوبة، ومنابعه في أوغندا، وتنغانيقا، وتصل إليه الأمصار التي تسقط صيفاً على الجبال الحبشة، فيكون فيضانه.