قد أشرقت دار سكنت فناءها ... حتى غدت ولنورها لألاء
يا سائراً سقي المكارم والعلى ... ممن يبخل عنده الكرماء
هذا كمال الدين لُذ بجنابه ... تنعم فثم الفضل والنعماء
قاضي القضاة أجل من أيامه ... تعني بها الأيتام والفقراء
قاض زكا أصلا وفرعا فاعتلى ... شرفت به الأدباء والأبناء
مَنَّ الإله على بني حلب به ... لله وضع الفضل حيث يشاء
كشف المُعمّى فهمه وبيانه ... فكأنما ذاك الذكاء ذُكَاء١
ياحاكم الحكام قدرُك سابق ... عن أن تسُرك رتبة شماء
إن المناصب دون همتك التي ... في الفضل دون محلها الجوزاء
لك في العلوم فضائل مشهورة ... كالصبح شق له الظلام ضياء
ومناقب شهد العدو بفضلها ... والفضل ما شهدت به الأعداء
وهي أزيد من خمسين بيتاً، وأجازه عليها بكسوةٍ ودراهم وانتقد عليه الشعراء ابتداءه بلفظ أسفت. قال ابن جزي: وليس كلامه في هذه القصيدة بذاك وهو في المقطعات أجود منه في القصائد وإليه انتهت الرياسة في الشعر على هذا العهد، في جميع بلاد المشرق. وهو من ذريّة الخطيب أبي يحيى عبد الرحيم بن نباته، منشئ الخطب الشهيرة، ومن بديع في التورية قوله:
عُلّقتها غيداء حالية العلى ... تجني على عقلِ المحبِّ وقلبه
بخلّتْ بلؤلؤِ ثغرِها عن لاثِمٍ ... فغدت مطوقةً بما بخلت به.
ومن قضاة حلب قاضي قضاة الحنفية الإمام المدرس ناصر الدين بن العديم حسن الصورة والسيرة أصيل مدينة حلب:
تراه إذا ما جئته متهللا ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله
ومنهم قاضي قضاة المالكية لا أذكره كان من الموثفين بمصر وأخذ الخطة عن غير استحقاق. ومنهم قاضي قضاة الحنابلة لا أذكر اسمه وهو من أهل صالحية دمشق، ونقيب الأشراف بحلب بدر الدين بن الزهراء. ومن فقهائها
١ ذُكاء هي: الشمس، شبه ذكاءه الذي يكشف المعميات بالشمس التي تذهب الظلام، وتكشف ما أخفاه وعمّاه على الرائين.