للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرجوا إلى ظاهر المدينة حيث يخنق الناس وأجلس كل واحد تحت مخنقة ونزعت عمائمهم ومن عادة أمراء تلك البلاد أنه متى أمر أحدهم بقتل أحد الناس يمر الحاكم من مجلس الأمير سابقا على فرس إلى حيث المأمور بقتله ثم يعود إلى الأمير فيكرر استئذانه يفعل ذلك ثلاثا فإذا كان بعد الثلاث أنفذ الأمر فلما فعل الحاكم ذلك قامت الأمراء في المرة الثالثة وكشفوا رؤوسهم وقالوا أيها الأمير هذه سبة في الإسلام يقتل القاضي والشهود فقبل الأمير شفاعتهم وخلى سبيلهم وبخارج اللاذقية الدير المعروف بدير الفاروص وهو أعظم دير بالشام ومصر يسكنه الرهبان ويقصده النصارى من الآفاق وكل من نزل به من المسلمين فالنصارى يضيفونه وطعامهم الخبز والجبن والزيتون والخل البكر وميناء هذه المدينة عليها سلسلة بين برجين يدخلها أحد ولا يخرج منها حتى تحط له السلسلة وهي من أحسن المراسي بالشام. ثم سافرت إلى حصن المرقب وهو من الحصون العظيمة يماثل حصن الكرك وبناؤه على جبل شامخ وخارجه ربض ينزله الغرباء ولا يدخلون قلعته وافتتحه من يد الروم الملك المنصور قلاوون وعليه ولد ابنه الملك الناصر وكان قاضيه برهان الدين المصري من أفاضل القضاة وكرمائهم

ثم سافرت إلى الجبل الأقرع وهو أعلى جبل بالشام وأول مايظهر منها من البحر وسكانه التركمان وفيه العيون والأنهار، وسافرت منه إلى جبل لبنان وهو من أخصب جبال الدنيا فيه أصناف الفواكه وعيون الماء والظلال الوافرة ولا يخلو من المنقطعين إلى الله تعالى والزهاد والصلحين وهو شهير بذلك ورأيت به جماعة من والصالحين قد انقطعوا إلى الله تعالى ممن لم يشتهر اسمه.

وأخبرني بعض الصالحين الذين لتقيتهم به قال: كنا بهذا الجبل مع جماعة من الفقراء أيام البرد الشديد فأوقدنا نارا عظيمة وأحدقنا بها وبعض الحاضرين يصلح لهذه النار ما يشوي فيها فقال أحد الفقراء ممن تزدريه الأعين ولا يعبأ به أني كنت عند صلاة العصر بمتعبد إبراهيم بن أدهم فرأيت منه حمار وحش قد أحدق الثلج به من كل جانب وأظنه لا يقدر على الحرك فلو ذهبتم إليه لقدرتم عليه وشويتم لحمه في هذه النار قال فقمنا إليه في خمسة رجال فلقيناه كما وصف لنا فقبضناه وأتينا به أصحابنا وذبحناه وشوينا لحمه في تلك النار وطلبنا الفقير الذي نبه عليه فلم نجده ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>