للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقعنا له على أثر، فطال عجبنا منه. ثم وصلنا من جبل لبنان إلى مدينة بعلبك وهي حسنة قديمة من أطيب مدن الشام تحدق بها البساتين الشريفة والجنات المنيفة وتخترق أرضها الأنهار الجارية وتضاهي دمشق في خيراتها المتناهية وبها من حب الملوك١ ما ليس في سواها وبها يصنع الدبس المنسوب إليها وهو نوع من المربى يصنعونه من العنب ولهم تربة يضعونها فيه فيجمد وتكسرالقلة التي يكون بها فيبقى قطعة واحدة وتصنع منه الحلواء ويجعل فيها الفستق واللوز ويسمونها حلواء بالملبن ويسمونها أيضا بجلد الفرس وهي كثيرة الألبان وتجلب منها إلى دمشق وبينهما مسيرة يوم للمجد وأما الرفاق فيخرجون من بعلبك فيبيتون ببلدة صغيرة تعرف بالزبداني كثيرة الفواكه ويغدون منها إلى دمشق ويصنع ببعلبك الثياب المنسوبة إليها من الإحرام وغيره ويصنع بها أواني الخشب وملاعقه التي لا نظير لها في البلاد وهم يسمون الصحاف بالدسوت وربما صنعوا الصحفة وصنعوا صفحة أخرى توضع في جوفها وأخرى في جوفها إلى أن يبلغون العشرة يخيل لرائيها أنها صحفة واحدة وكذلك الملاعق يصنعون منها عشرة واحدة في جوف واحدة ويصنعون لها غشاء من جلد ويمسكها الرجل في حزامه وإذا حضر طعاما مع أصحابه أخرج ذلك فيظن رائيه أنها ملعقة واحدة ثم يخرج من جوفها تسعة وكان دخولي لبعلبك عشية النهار وخرجت منها بالغد لفرط اشتياقي إلى دمشق. وصلت يوم الخميس التاسع من شهر رمضان المعظم عام ستة وعشرين إلى مدينة الشام فنزلت منها بمدرسة المالكية المعروفة بالشرابشية ودمشق هي التي تفضل جميع البلاد حسنا وتقدمها جمالا وكل وصف وإن طال فهو قاصر عن محاسنها ولا أبدع مما قاله أبو الحسن ابن جبير رحمه الله تعالى في ذكرها قال: وأما دمشق فهي جنة المشرق ومطلع نورها المشرق وخاتمة بلاد الإسلام متى استقريناها٢، وعروس المدن التي اجتلبناها قد تحلت بأزاهير الرياحين وتجلت في حلل سندسية من البساتين وحلت موضع الحسن بالمكان المكين وتزينت في منصتها أجمل تزيين وتشرفت بأن آوى المسيح عليه السلام وأمه إلى ربوة منها ذات قرار


١ ثمار الكرز.
٢ تتبعناها لمعرفة خواصها ومزاياها.

<<  <  ج: ص:  >  >>