ومعين١ وظل ظليل وماء سلسبيل: تنساب مذانبه انسياب الأراقم بكل سبيل ورياض يحيي النفوس نسيمها العليل تتبرج لناظرها بمجتلى صقيل وتناديهم هلموا إلى معرس للحسن ومقيل وقد سئمت أرضها كثر الماء حتى اشتاقت إلى الظمأ فتكاد تناديك بها الصم والصلاب اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب وقد أحدقت البساتين بها إحداق الهالة بالقمر والأكمام بالثمر وامتدت بشرقيها غوطتها الخضراء امتداد البصر وكل موضع لحظت بجوانبها الأربع نضرته اليانعة قيد البصر ولله صدق القائلين عنها أن كانت الجنة في الأرض فدمشق لا شك فيها وإن كانت في السماء تساميها وتحاذيه. قال ابن جزي: وقد نظم بعض شعرائها في هذا المعنى فقال:
إن تكن جنة الخلود بأرض ... فدمشق ولا تكون سواها
أو تكن في السماء فهي عليها ... قد أبت هواءها وهواها
بلد طيب ورب غفور ... فاغتنمها عشية وضحاها
وذكر شيخنا المحدث الرحال شمس الدين أبو عبد الله محمد بن جابر بن حسان القيسي الوادي آشي نزيل تونس ونص كلام ابن جبير ثم قال ولقد أحسن فيما وصف منها وأجاد وتتوق الأنفس للتطلع على صورتها بما أفاد هذا وإن تكن له بها إقامة فيعرب عنها بحقيبة وعلامة ولا وصف ذهبيات أصيلها وقد حان من الشمس غروبها ولا أزمان جفولها المنوعات ولا أوقات شرورها المنبهات وقد اختص من قال: ألقيتها كما تصف الألسن. وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. قال ابن جزي: والذي قالته الشعراء في وصف محاسن دمشق لا يحصر كثرة. وكان والدي رحمه الله كثيراً ما ينشد في وصفها هذه الأبيات، وهي لشرف الدين بن محسن رحمه الله تعالى:
دمشق بنا شوق إليها مبرح ... وإن لجّ واشٍ أو ألحّ عَذولُ
بلادٌ بها الحصباء دُرٌّ وتربها ... عبيرٌ وأنفاس الشمال شمولُ
تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق ... وصحّ نسيم الروض وهو عليل
١ القول بأن دمشق هي الربوة ذات القرار والمعين التي ورد ذكرها في القرآن الكريم في سورة "المؤمنون" في الآية رقم ٥٠ هو أحد أقوال أربعة بقيتها أنها مصر أو الرملة أو بيت المقدس، وأظهر الأقوال وأرجحها هو الأخير.