فوسعه وحسنه وبالغ في إتقانه وعمله بالرخام والساج المذهب وكان الوليد بعث إلى ملك الروم أريد أن أبني مسجد نبينا صلى الله عليه وسلم فأعني فيه فبعث إليه العملة وثمانين ألف مثقال من الذهب وأمر الوليد بإدخال حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيه فاشترى عمر من الدور ما زاد في ثلاث جهات من المسجد فلما صار إلى القبلة امتنع عبيد الله بن عبد الله بن عمر من بيع دار حفصة ودار بينهما الكلام حتى ابتاعها عمر على أن له ما بقي منها وعلى أن يخرجوا من باقيها طريقا إلى المسجد وهي الخوخة التي في المسجد وجعل عمر للمسجد أربع صوامع في أربعة أركانه وكانت إحداها مطلة على دار مروان فلما حج سليمان بن عبد الملك نزل بها فأطل عليه المؤذن حين الأذان فأمر بهدمها وجعل عمر للمسجد محراباً.
ويقال هو أول من أحدث المحراب. ثم زاد فيه المهدي بن أبي جعفر المنصور وكان أمرهم بذلك ولم يقض له وكتب إليه الحسن بن زيد يرغبه في الزيادة فيه من جهة الشرق ويقول إنه أن زيد في شرقيه توسطت الروضة الكريمة المسجد الكريم فاتهمه أبو جعفر بأنه إنما أراد هدم دار عثمان رضي الله عنه فكتب إليه إني قد عرفت الذي أردت فاكفف عن دار عثمان وأمر أبو جعفر أن يظلل الصحن أيام القيظ بستور تنشر على حبال ممدودة على خشب تكون في الصحن لتقي المصلين من الحر وكان طول المسجد في بناء الوليد مائتي ذراع فبلغه المهدي إلى ثلاثمائة ذراع وسوى المقصورة بالأرض وكانت مرتفعة عنها بمقدار ذراعين وكتب اسمه على مواضع من المسجد. ثم أمر الملك المنصور قلاوون ببناء دار للوضوء عند باب السلام فتولى بناءها الأمير الصالح علاء الدين المعروف بالأقمر وأقامها متسعة الفناء تستدير بها البيوت وأجرى إليها الماء وأراد أن يبني بمكة شرفها الله تعالى مثل ذلك فلم يتم له فبناه ابنه الملك الناصر بين الصفا والمروة وسيذكر أن شاء الله. وقبلة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلة قطع لأنه صلى الله عليه وسلم أقامها، وقيل: جبريل عليه السلام، وقيل: كان يشير جبريل له إلى سمتها وهو يقيمها وروي أن جبريل عليه السلام أشار إلى الجبال فتواضعت فتنحت حتى بدت الكعبة فكان صلى الله عليه وسلم يبني وهو ينظر إليها عيانا وبكل اعتبار فهي قبلة قطع وكانت القبلة أول ورود النبي صلى الله عليه وسلم المدينة إلى بيت المقدس ثم تحولت إلى الكعبة بعد ستة عشر شهراً وقيل بعد سبعة عشر شهراً.