قال الواقدي: فعند ذلك نكس جبلة راسه واقبل يحدث صاحب عمورية بجواب خالد بن الوليد رضي الله عنه فغضب صاحب عمورية غضبا شديدا وانتضى سيفه فلما نظر خالد بن الوليد إلى البطريق وقد جرد سيفه علم إنه يريد القتال فلما هم صاحب عمورية بالحملة امسكه جبلة ومنعه عن الحملة واوقفه تحت صليبه واقبل جبلة على خالد بن الوليد وقال: يا اخا بني مخزوم أن الحرب كما ذكرت تحتمل النصفة وهؤلاء بنوا الأصفر اعلاج الروم غنم ما يعرفون النصفة في البراز وقد حدثتهم بحديثك معي وقد رضوا منك بالمبارزة فمن أراد منكم المبارزة فليبرز قال رافع بن عميرة الطائي فعزم خالد بن الوليد أن يبرز فمنعه عبد الرحمن بن ابي بكر الصديق رضي الله عنه وقال: يا أبا سليمان وحق القبر الذي ضم اعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق شيبة ابي بكر الصديق رضي الله عنه لا يبرز لهؤلاء القوم غيري وابذل المجهود فيهم فلعلي الحق بأبي بكر الصديق فتركه خالد وقال اخرج شكر الله مقالك وعرف لك مفالك قال فخرج عبد الرحمن ابن ابي بكر الصديق رضي الله عنه وهو على فرس كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان دفعه له من قسمة غنيمة وقعة اجنادين وكان الجواد من خيل بني لخم وجذام من العرب المتنصرة وكان كالطود العظيم وعبد الرحمن غارقا في الحديد والزرد النضيد وبيده قناة تامة الطول فجال عبد الرحمن بجواده بين عساكر الروم والعرب المتنصرة ودعاهم إلى القتال والبراز والنزال وقال دونكم والقتال فأنا ابن الصديق ثم جعل يقول:
أنا ابن عبد الله ذي المعالي
...
والشرف الفاضل ذي الكمال
أبي المجيد الصادق المقال
...
أدين هذا الدين بالفعال
ثم طلب البراز قال رافع بن عميرة فخرج إليه خمسة فوارس من شجعان الروم فما كان يجول عبد الرحمن على الفارس إلا جولة واحدة فيصرعه قتيلا فلما قتل الخمسة فوارس توقفوا عنه فهم بالحملة على عسكر الروم فخرج إليه جبلة بن الأيهم وقد اشتد به الغضب فلما قرب من عبد الرحمن قال له: يا غلام قد تعديت علينا في فعالك وبغيت علينا في قتالك فقال عبد الرحمن وكيف ذلك وما البغي من شيمتنا قال جبلة لانك قد ملأت الأرض من قتلانا وما خرجت إليك اقاتلك لانك لست لي كفؤا في القتال وإنما خرجت إليك لأن رجلا من أصحابك قد خرج يعينك وليس هذا من شيم الأشراف والانصاف قال فلما سمع عبد الرحمن كلام جبلة تبسم وقال: يا ابن الأبهم تريد أن تخدعني وأنا تربية الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد شهدت معه الوقائع والقتال فقال جبلة: لست مخادعا وما قلت إلا حقا فقال عبد الرحمن فأخرج بإزاء من خرج معي فارسا من قومك أن كنت صادقا في مقالتك واحمل على علي فاني كفء كريم.