الجهد ومن وقت خروجنا من مدين لم نجد أحد ومصر قد قربنا منها فانزلوا لنأخذ راحة ونريح مطايانا ونعلق على خيلنا وإذا بمقدمهم يقول وحق المسيح ما بغيتنا إلا في الخلع والأموال من ملك مصر ولكن إذ عولتم على الراحة فانزلوا قال فنزل القوم على ماء يعرف بالغدير واقبلوا يجمعون الشيح ويصنعون لهم الزاد وعلقوا على خيولهم وتركوا ابلهم ترعى قال نصر بن ثابت فعلمت أن القوم من متنصرة العرب فتركتهم وأتيت إلى أصحابي وحدثتهم بذلك فحمدوا الله كثيرا واثنوا عليه وقالوا لخالد: ما الذي ترى فقال أرى أن تركبوا خيلكم الآن وتستعدوا للحرب ونسير إليهم ونكبسهم فإنهم قد أتوا لنصرة صاحب مصر وما أتوه إلا بمكاتبة لهم يستنجد بهم على أصحابنا قال فلبسوا سلاحهم وركبوا الخيل وتركوا موإليهم مع المطايا والرجال وساروا خيلا ورجالا إلى أن قربوا من نيران القوم فصبروا حتى خمدت وناموا فتسللوا عليهم كتسلل القطاة فقال خالد: دوروا بالقوم ولا تدعوا أحد منهم ينفلت من ايديكم فيثير عليكم عدوكم قال فداروا بهم كدوران البياض بسواد الحدق وأعلنوا بالتهليل والتكبير ووضعوا فيهم السيف فما استيقظ أعداء الله إلا والسيف يعمل فيهم ووقعت الدهشة في القوم وهم في أثر النوم فقتل بعضهم بعضا ووقف ابن قيس ومعه جماعة على البعد منهم وبشار ورفقته وكل من انهزم أخذوه فلما أصبحنا راينا القتلى منهم ألفا وأسرنا منهم ألفا فعرضوهم على خالد فقال: حدثوني من أين جئتم والى أين مقصدكم.
فقالوا: أنا قوم من المتنصرة العرب وكلنا كنا أصحاب الشام فلما هزمتم الملك هرقل رحلنا من أرض الشام ونزلنا أرض مدين ونحن على خوف منكم وكاتبنا صاحب مصر وهو المقوقس لعله أن يأذن لنا أن نكون من أصحابه ونكون له عونا عليكم فلما أجابنا إلى ذلك بعثنا الخيل العربية إلى ولي عهده وصاحب الأمر من بعده فلما كان في هذه الايام جاءتنا خلعة ورسالة بالدخول إلى مصر فرحلنا إليهم فوقعتم بنا فلما سمع خالد منهم ذلك قال من حفر لمسلم قليبا أوقعه الله فيه قريبا ثم عرض عليهم الإسلام فابوا فأمر بقتلهم فقتلناهم عن آخرهم وقسمنا رحالهم وما كان معهم ووجدنا معهم الخلع التي وجهها إليهم ابن المقوقس ففرقها خالد على المسلمين وفيها خلعة سنية وكانت لمقدم القوم فأعطاها رفاعة وساروا حتى قربوا من الجبل المقطم فرأوا جيش القبط فأرسل خالد رجلا من قبله وهو نصر بن ثابت وقال له: امض إلى هذا الملك وقل له أن العرب أصحاب مدين قد أتوا لنصرتك قال فمضى الرجل إلى أن وصل إلى عسكر القبط فأخذه الحرس وقالوا له: من أنت قال أنا مبشر الملك بقدوم العرب المتنصرة إلى نصرته قال ابن اسحق: فأخذوا نصر بن ثابت وأتوا به إلى سرادق الملك قال فلما وقفت بين يديه ناداني الحجاب أن اسجد للملك ففعلت وأنا أسجد لله تعالى حتى لا ينكروا علي وكان قد صح عندهم أنه من امتنع من السجود فهو مسلم قال فلما رفعت.