قال الراوي: فلما فرغ ضرار من شعره إذا بالخيل قد اقبلت منهزمة وكان السبب في ذلك أنه لما حملت الروم على الفضل بن عباس صاح هو وجرت الدماء واسودت السماء وحمى الوطيس وقل الأنيس وهمهمت الابطال وقوي القتال وعظم النزال ودارت رحى الحرب واشتد الطعن والضرب وجالت الرجال واشتد القتال وضربت الاعناق وسالت الاحداق وعظمت الامور وغابت البدور وكان المسلمون لا يظهرون فيهم لكثرتهم ولا يعرف بعضهم بعضا إلا بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير وقد صبر الفضل صبر الكرام فلله در الفضل لقد اصطلى الحرب بنفسه فكان تارة يقلب الميمنة على الميسرة وتارة يقلب الميسرة على الميمنة ويقاتل والراية بيده ولله در مسلم بن عقيل وأخويه لقد قاتلوا حتى صارت الدماء على دروعهم كقطع اكباد الابل ولله در سليمان بن خالد بن الوليد المقتول بوقعة الدير قريبا من طرا بقرية تسمى دهروط وقتل معه عبد الله بن المقداد وجماعة وسيأتي ذكر ذلك أن شاء الله تعالى.
قال محمد بن مسلمة الأنصاري رضي الله عنه وقاتلنا قتال الموت وأيقنا أن المحشر من ذلك الموضع ولم نزل في قتال من ارتفاع الشمس حتى غربت وقد قتل من الروم مقتلة عظيمة وتقدم الفضل إلى بطريق عظيم راكب كأنه برج من ذهب وطعنه في صدره فأخرج السنان من ظهره فلما رأت الروم ذلك شجعوا أنفسهم وفشا القتال بيننا وبينهم وقتل من المسلمين أربعون رجلا وقتل منهم ثلثمائة لكن الرجل ما قتل منا حتى قتل جماعة من الروم فبينما نحن كذلك وقد أيقنا أن الموت في ذلك الموقف ووطنا عليه نفوسنا وإذا بغبرة قد طلعت والعجاج قد ارتفع وانقشع الغبار عن رايات إسلامية وعصابة محمدية زهاء من ألفي فارس وفي أوائلهم فرسان أمجاد سادات أنجاد أحدهم المقداد والثاني زياد والقعقاع بن عمرو وشرحبيل بن حسنة ومعهم ألف فارس فلم يمهل المقداد دون أن حمل وخاض في الخيل وهو ينشد ويقول:
إلا انني المقداد أكبر صائل. ... وسيفي على الاعداء أطول.
طائل إذا اشتدت الأهوال كنت أمامها. ... وأضرب بالسمر الطوال الذوابل.
ولي همة بين الورى تردع العدا. ... لها تشهد الابطال بين القبائل.
فليس لسيفي في الأنام مبارز. ... وليس لشخصي في الأنام منازل.
ثم إنه خاض في وسط الحرب وحمل من بعده زياد بن أبي سفيان وهو ينشد ويقول:
أنا زياد بن أبي سفيان. ... جدي يرى من أشرف العربان.