قال: حدثنا مسلم بن سالم اليربوعي عن شداد بن مازن عن طارق بن هلال أنه كان في خيل العباس بن مرداس السلمي قال بينما نحن نسير إذ راينا غبرة قد ثارت وكان ذلك وقت الضحى فتأملناها فانكشف عن عشرة أعلام وعشرة صلبان من الذهب الأحمر كل صليب يلمع كأنه كوكب فتأهبنا للحملة وتأهبوا لنا فلم يمهلونا دون أن حملوا علينا وحملنا عليهم وأحاطوا بنا وقاتلت الروم قتالا شديدا ورطنوا بلغتهم وأعلنوا بكلمة كفرهم وصبرنا لهم صبر الكرام وقاتلنا قتال الموت فلله در غانم بن عقبة والمسيب بن نجيبة الفزاري والفضل بن أبي سفيان لقد قاتلوا قتالا شديدا وعصب الفضل رأسه بعصابة حمراء وكذلك فعل زياد بن أبي سفيان بن الحرث كما كان يصنع عمهما حمزة وقاتلا قتال الموت فلم تكن إلا ساعة وقد قوي الحرب والقتال حتى أشرف علينا الأمير غانم بن عياض الاشعري مع بقية الجيش فقوي قلبنا وكبرنا فأجابونا بالتهليل والتكبير فتقدم الفضل بن العباس إلى بطريق شلقم وكان فارسا شديدا وعليه ديباجة مفصصة بالذهب وفي وسطه منطقة بالذهب مرصعة بالجواهر وقد عصب رأسه بعصابة من الجواهر وبيده عمود من الذهب طوله ثلاثة أشبار وأزيد وهو تارة يضرب بالسيف وتارة يضرب بالعمود فلما رآه الفضل ظن أنه يريده فحمل عليه الفضل وهو ينشد ويقول:
يا أيها الكلب اللعين الطاغيا. ... ومن أتى لجيشنا معاديا.
أبشر لقد وافاك ليث ضاريا. ... بحد سيف في عداه ماضيا.
كان له الرب العظيم واقيا. ... من كل كلب إذ يكون طاغيا.
قال فلم يفهم ما يقول الفضل وحمل عليه وتعاركا وتجاولا وضرب الفضل رضي الله عنه فحاد عنها وعطف عليه وانتزع العمود من يده وضربه ضربة هاشمية قرشية أبان بها رأسه عن بدنه ونظر إليه لم يسقط فعاد عليه وهو جثة بلا رأس فتلقاه فارس من المسلمين اسمه زهير فوجده مكلبا بكلاليب في سرجه فنزع الكلاليب فسقط عدو الله كالطود بعد أن تضمخ تاجه ومنطقته دماء فقال له الفضل: أن السلب لي فخذه لك فقد وهبتك إياه فقال: لا أعدمنا الله مكاركم يا بني هاشم وعطف على لوص فقتله وقتل كل أمير بطريقا غيره وحملت المسلمون حملة رجل واحد فبددوا شملهم فولوا منهزمين بين أيديهم واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون وينهبون إلى أن وصلوا إلى البحر اليوسفي وألقوهم في مكان قريب من شاقولة فسميت القرية بذلك وتحصنت جماعة بقلعة المرج فأحاط بها المسلمون وحرقوا الأبواب وهدموا الجدران وأستخرجوا ما هناك وقتلوا من الروم مقتلة غظيمة نحوا من ثلاثة آلاف وأسروا نحوا من ألف وقتل من المسلمين ثمانية وأربعون رجلا من أعيانهم سيف الانصاري رضي الله عنهم أجمعين ودفن هو وأصحابه