بمكان الوقعة وكان زياد بن المغيرة وجماعته نزولا في أماكنهم قريبا من طنبدا كما ذكرنا حول البلد المعروف بدهروط وكان زياد صديقا للأمير سليمان بن خالد بن الوليد فكتب كتابا للأمير خالد بن الوليد يعزيه في ولده سليمان ويقول:
يا خالد أن هذا الدهر فجعنا. ... في سيد كان يوم الحرب مقداما.
مجندل الفرس في الهيجا إذا اجتمعت. ... وللصناديد يوم الحرب خصاما.
لا يملك الضد من أبطالنا أملا. ... أن حاز ساعده القصاص صمصاما.
يا طول ما هزم الاعدا بصارمه. ... أنالهم منه تنكيسا وارغاما.
كأنه الليث وسط الغاب إذ وردت. ... له العدا وعلى الاشبال قد حامى.
يا عين جودي بفيض الدمع منك دما. ... بل واندبي فارسا قد كان ضرغاما.
والسيد الفرد عبد الله قد حكمت. ... به المنايا وحكم الله قد داما.
نحم الفتى العلم المقداد خير فتى. ... قد كان في ملتقى الاعداء هجاما.
قال الواقدي: فلما وصل الكتاب إلى خالد بن الوليد كان قريبا من الدير ببقية الجيش وهو ينفذ السرايا وأهل البلاد يأتونه بما صالحوه عليه من المال وغيره وقد جهز عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعقبة بن نافع الفهري والزبير رضي الله عنهم بألف فارس إلى الفيوم وسيأتي ذكر ذلك في موضعه أن شاء الله تعالى فلما ورد الكتاب على خالد سقط إلى الأرض وخر مغشيا عليه ثم أفاق واسترجع وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: ١٥٦] ثم قال: اللهم أني احتسبت سليمان اليك اللهم اجعله فرطا وذخرا وأعقبني عليه صبرا وأعظم لي بذلك أجرا ولا تحرمني الثواب برحمتك يا أرحم الراحمين ثم قال: والله لآخذن فيه ألف سيد من ساداتهم ولأقطعن ساداتهم وفرسانهم وانني أرجو أن آخذ بثأره إن شاء الله تعالى ولأقتلن البطليوس شر قتلة لعلي أشفي بذلك غليل صدري وحرارة كبدي وليكونن على يدي خراب دياره وانهزام جيوشه وزوال ملكه وهطلت مدامعه على وجنته أحر من الجمر ثم جعل يسترجع ويقول:
جرى مدمعي فوق المحاجر منهمل. ... وحر فؤادي من جوى البين يشتعل.
وهام فؤادي حين أخبرت نعيه. ... فليت بشير البين لا كان قد وصل.
لقد ذوب الاحشاء وأجرى مدامعي. ... صبيبا وعن نار الفؤاد فلا تسل.
سأبكي عليه كلما أقبل المسا. ... وما ابتسم الصبح المنبر وما استهل.