قال ثم خرجت الروم وقاتلت قتالا شديدا وتواثبت جماعة من الأمراء مثل الزبير بن العوام وابنه عبد الله وعبد الرحمن بن أبي بكر إلى باب البحر واقتتلوا قتالا شديدا وتقدم عبد الرحمن والزبير إلى الباب والروم على أعلى السور ونزل عن جواده وصلى ركعتين والحجارة تتساقط عليه وهو لا ينزعج لذلك وتقدم هو والفضل وعبد الرحمن بن أبي بكر إلى الباب وجعلا السلاسل من فوق وصعدوا إلى أعلى البرج وهدموا الشرافات ووضعوا السيف في الحراس وفتحوا الباب ووثب شرحبيل بن حسنة والفضل بن العباس وأبو ذر الغفاري وأبو أيوب الانصاري إلى باب قندوس ووثب المسيب بن نجيبة الفزاري والقعقاع بن عمرو والأمير عياض بن غانم الاشعري إلى باب الجبل وفتحوا الأبواب واقتتلوا قتالا شديدا وقاتلت الروم قتال الموت إلى أن طلعت الشمس وارتفعت وقاتل عدو الله البطليوس قتالا شديدا وقتل رجالا وجندل أبطالا واقتتلوا في الازقة والشوارع وبين الأبواب وتقدم خالد وهو يصيح واثارات سليمان وطعنه طعنة صادقة في صدره فأطلع السنان يلمع من ظهره فوقع يخور في دمه وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار فلما رأى الروم ذلك ولوا الادبار وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون وينهبون وقتل من الروم نحو ثلاثين ألفا بوسط البلد وأسر منهم عشرون ألفا وأنشد خالد يقول:
وبالنهنسا الغرا أبيدت جيوشنا. ... ثلاث سنين بابها ليس يفتح.
ثماني الاف عداد جيوشنا. ... وكل همام عن ثمانين يرجح.
فما فتحت إلا وقد صار جيشنا. ... ثلاثة آلاف عداد تسحسح.
ولم أر في أرض الصليب كمثلها. ... ولا جيشها لما على السور يسرح.
ولا مر لي يوم كمثل حروبها. ... لأن بها البطلوس ليث مبجح.
وكان له جيش وعدة جيشه. ... ثمانون ألفا بالحديد توشحوا.
وكنا غلبناهم ثمانين مرة. ... يخادعنا البطليوس عنهم فنصفح.
ثلاث مرار نحن نفتح بابها. ... وترتد للكفر الذميم وتجنح.
وقد لعب الهندي يوم فتوحها. ... وكلت أيادينا وفي الروم نذبح.
ثلاثون ألفا قد محتها سيوفنا. ... وأكبادنا من حرها النار تقدح.
إلى أن ملأنا البر والبحر منهم. ... وقد شبعت أسد الفلا وترنحوا.
وولت ثلاثون الالوف شواردا. ... وعشرون ألفا منهم قد تجرحوا.
فمنهم قضى نحبا ومنهم بها طغى. ... ومنهم أناس في المقابر روحوا.
وبطلوسهم ذاك النهار قتلته. ... وقد كان مقدام الجيوش مرجح.