للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* فقال بعضهم: لا يجوز قَتلُ مَن خَرَج مُتأوِّلًا بمكّة خاصّةً، وقِتالُه في غيرِها جائزٌ، إذا قام الدليل لمقاتله على بَغْيِه، وأنّ الباغي يُقاتل حتّي يفيء إلى أمر الله، ولا يُقاتل بمكّة على حال إذا كان له وجه يحتمل التأويل، قالوا: ومكّة مَخصوصة بهذا الحكم، كما أنّها خُصَّت بأن لا يُعضد شجرُها، ولا يُستحلَّ صَيدُها، ولا تَحِلُّ لُقَطَتُها إلّا لِمُنْشِدٍ (١)، وعلى مُلتَقِط اللُّقَطة منها إنشادُها أبدًا ليس لِلاقِطِها غيرُ ذلك، وفي سائر البلدان يجوز له التصرّفُ فيها بعد العام على حكم اللقطة (٢)، قالوا: وقد خُصَّت


= ابن هارون في الحاصرين في الحجّ، وحكى الحطّاب عن مالك جواز قتال أهل مكّة إذا بغوا على أهل العدل، قال: وهو قول عكرمة وعطاء، وهو قول الحنابلة أيضًا.
انظر: ابن عابدين (٢/ ٢٥٦)، و"البدائع" (٧/ ١١٤)، و"جواهر الإكليل" (١/ ٢٠٧)، والحطّاب (٣/ ٢٠٣، ٢٠٤)، والقرطبي (٢/ ٢٥١ و ٢٥٣)، و"شفاء الغرام" (١/ ٧٠)، و"المجموع" (٧/ ٢١٥)، و"الأحكام السلطانية" للماوردي (ص ١٦٦)، و"تحفة الراكع والساجد" (ص ١١٢)، و"الأحكام السلطانية" لأبي يعلى (ص ١٩٣).
(١) يشير إلى الحديث الذي رواه ابن عبّاس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكّة: "لا هجرة، ولكن جهاد ونيّة، وإذا استنفرتم فانفروا"، وقال يوم فتح مكّة: "إنّ هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنّه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي ... لا يعضد شوكه، ولا ينفرّ صيده، ولا تلتقط لقطته، إلّا من عرّفها، ولا يختلى خلاها ... "، أخرجه البخاري ومسلم، وسبق عزوه إلى مظانّه (انظر: ص ٩٦).
(٢) يري جمهور الفقهاء أنّه لا فرق بين لقطة الحلّ ولقطة الحرم من حيث جواز الالتقاط والتعريف لمدّة سنة، قالوا؛ لأنّ اللقطة كالوديعة، فلم يختلف حكمها بالحل والحرم، والأحاديث النبوية الشريفة لم تفرّق بين لقطة الحلّ والحرم، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: " ... اعرف وكاءها وعقاصها، ثمّ عرّفها سنة".
ويري الشافعي أنّ لقطة الحرم لا يحلّ أخذها إلّا للتعريف، وأنّها تُعرَّف على الدوام، إذ أنّ الأحاديث الخاصّة بلقطة الحرم لم توقف التعريف بسنة كغيرها، فدلّت على أنّه أراد التعريف على الدوام، وإلّا فلا =

<<  <   >  >>