للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمِمَّا يُوهِن هذا الحديث أنّ ظاهرَه يوجب قصرَ الصلاة فرضًا وعائشة التي جاءت به - رضي الله عنها - عَمِلت بخلافه، وعَمَلُها بخلافه مشهورٌ عنها، ولا تحذر تعمل بخلافه إلاّ لأنّه عندها وَهَم رجعتْ عنه، أو لمعنى يُزيلُه عن ظاهره؛ لأنّه خَبرٌ لا يجوز فيه النسخ، لاستحالة نسخ الأخبار، وإنّما يُنسَخ الأمر والنهي.

وإمّا لكثرة الرجوع عنه (إقرارًا) (١) بالوهم والنسيان، فمن هاهنا رفَع العلماء جوازَ النسخ على ما كان مخرجه مخرج الخبر في الكتاب والسنّة، فقِفْ على هذا الأصل.

ذكر عبد الرزّاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة: "أنّها كانت تتمّ في السفر" (٢).

فإن قال قائل: إنّ عائشة - رضي الله عنها - إنّما أتَمَّت في السفر لأنّها أمِّ المؤمنين؛ فحيث نزلتْ فهي عند بيتها وكأنّه مَنْزلها؟

قيل له: هذا تأويل فاسد لا وجه له، ولا يجوز مثله أدْ يتأوَّل على عائشة - رضي الله عنها - لِمَا فيه من خلاف السنّة والإجماع؛ لأنّه لو كان نزولها حيث نزلت مَنْزلاً لها لأنّهم بَنُوها لَما جاز لها القصر أصلاً لأنّها في مَنْزلها.

وقد أجمع المسلمون أنّ القصر كان لها مباحًا في سفرها، وأكثرهم يقول: لا ينبغي ترك القصر، ولو كان ذلك كذلك ما قصر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وهو أبو المؤمنين، وبه صارت


(١) في الأصل: "إقرار"، والمثبت أقرب إلى الصواب، على أنّه منصوب على التمييز.
(٢) أخرجه في "المصنّف" (٢/ ٥٦١/ ٤٤٦١)، وأخرجه ابن أبي شيبة (٢/ ٤٥٢) من طريق عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة به، وهذان الإسنادان صحيحان.

<<  <   >  >>