للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المقدمة

الحمد لله الذي أنزل القرآن وشرّفنا بحفظه وتلاوته، ومنّ علينا بتجويده، وتحريره، وجعل ذلك من أعظم عباداته.

والصلاة والسلام على سيدنا «محمد» سيد المقرئين والقارئين، القائل فيما يرويه عن رب العزة في حديثه الشريف: يقول الله- «من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» (١) وفضل كلام الله--على سائر الكلام كفضل الله-تعالى-على خلقه.

والقائل: «أقرأني جبريل على حرف واحد، فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف» ا هـ (٢).

فطوبى لمن أعرض عن كل شاغل يشغله عن تدبره ودراسته.

وبعد: فإن أشرف ما نطق به اللسان، وصرف إلى تفهمه الفكر والأذهان كلام العزيز الرحمن، وإن أولى ما قدم من علومه علم قراءته وترتيله.

فعلم القراءات القرآنية هو ذروة سنام العلوم القرآنية، وأعظمها على الإطلاق؛ وذلك لتعلقه بكتاب رب العالمين والعمل على حفظه من اللحن والخطأ، وقراءته بقراءاته الصحيحة المروية بالسند الصحيح عن النبي .

ولأنه كتاب الله الكريم وفرقانه المبين الذي يفرق بين الحق والباطل وهو نبراس البشرية الهادي لها في الظلمات فإن أهل الضلال الخائضين في الظلمات تحروا نقضه وتربصوا له يبغون رفضه فقام لهم سدنة الحق من العلماء، فشمروا عن ساعد الجد، وقاموا يدفعون عنه كل زيغ وضلال، ومن ثم لم يحظ كتاب عبر تاريخ البشرية بمثل ما حظي به كتاب الله-تعالى-قراءة وحفظا، وتجويدا، وأداء، ورسما وضبطا، وفهمّا واستنباطا. فمن حيث قراءاته، اتجهت همم السلف من علماء الأمة إلى العناية بعلم القراءات القرآنية، رواية ودراية، فألّفوا فيها التآليف البديعة، وصنفوا التصانيف المفيدة، مؤصّلين أصوله، ومقعّدين قواعده فكان أول إمام معتبر في جمع القراءات في كتاب، أبو عبيد القاسم بن سلام، المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين (٢٢٤ هـ) على اختلاف في ذلك. ثم تلاه من جاء بعده، فساروا على سننه، فكثرت التآليف وانتشرت التصانيف، واختلفت أغراضهم


(١) رواه الترمذي، عن أبي سعيد الخدري، وقال الترمذي حديث حسن.
(٢) أخرجه البخاري ومسلم عن عبد اللّه بن عباس .

 >  >>