للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دل هذا الحديث العظيم أن الأصل في الصلح الجواز، إلا إذا تضمن تحريم حلال أو تحليل حرام؛ فإنه لا يجوز ويكون من الصلح المحرم.

عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني (١) أنهما قالا: إن رجلاً من الأعراب أتى رسول الله ، فقال: يا رسول الله، أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله، فقال الخصم الآخر - وهو أفقه منه-: نعم، فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي، فقال : «قل»، قال: إن ابني كان عسيفاً (٢) على هذا، فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجمَ، فافتديت منه بمائة شاة ووليدةٍ (٣)، فسألت أهل العلم، فأخبروني أنما على ابني جلدُ مائة وتغريبُ عام، وأن على امرأة هذا الرجمَ، فقال : «والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم ردٌ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» فغدا عليها، فاعترفت، فرجمها (٤).

وهذا الصلح من الجور، كما ترجم عليه البخاري في كتاب «الصلح» من صحيحه: «باب: إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود».

ووجه الشاهد من هذا الحديث: أنه لما اصطلح هذان الرجلان على إبطال الحدِّ في حق الزانيين رده رسول الله ، وحكم بينهما بكتاب الله، فجلد البكر منهما وغربه، ورجم المحصن وهي المرأة.

فيجب على من سعى بالصلح بين المسلمين أن يحرص على أن يكون صلحه


(١) هو صاحب رسول الله ، زيد بن خالد الجهني المدني، صحابي، شهد الحديبية، وكان معه لواء جهينة يوم الفتح، له ٨١ حديثا، توفي في المدينة سنة (٧٨) هـ عن ٨٥ سنة، انظر: الأعلام للزركلي (٣/ ٥٨).
(٢) العسيف: هو الأجير، فتح الباري (١/ ١٥٦).
(٣) هي: الجارية والأمَةِ المملوكة، انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (٥/ ٢٢٥).
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه (٢/ ٩٥٩) ح (٢٥٤٩)، ومسلم في صحيحه (٥/ ١٢١) ح (٤٥٣١)، وانظر: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (١/ ٥٢٩).

<<  <   >  >>