كانت القراءات القرآنية موجودة قبل تدوين قواعد اللغة وظهور كتب النحو في القرن الثاني الهجري، فالقراءات ترجع إلى عصر النبوة حين تلقى الصحابة القرآن من
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت شروط القراءة الصحيحة تقتصر على أن تكون مروية وموافقة لخط المصحف، ولكن بعد أن استقرت قواعد النحاة أضاف بعض العلماء شرطا ثالثا للقراءة الصحيحة، وهو أن تكون موافقة للعربية، ولا شك في أن هذا الشرط متحقق في القراءات القرآنية لكن عددا محدودا جدا من الكلمات التي قرأها بعض القراء قراءة لا توافق القواعد اللغوية العامة، وعدّها بعض النحاة شاذة مخالفة لقياس العربية.
والذي أجمع عليه علماء القراءة وعلماء العربية هو أن القراءة لا تجوز بالقياس ولا بالاجتهاد، ولا بد فيها من صحة النقل أولا وموافقة خط المصحف ثانيا، لكن النحاة اشترطوا أن تكون القراءة موافقة للكثير من كلام العرب، ولا يكتفون بصحة الرواية، ومن ثم وصفوا بعض القراءات بالضعف أو الشذوذ، وهو موقف لا يرتضيه علماء القراءة، لأن القواعد التي وضعها النحاة جاءت لاحقة، ووضعت لغرض تعليمي يستند إلى الظواهر المطردة ولا يعنى كثيرا بالظواهر المنفردة، والقراءات مهما كان موقف النحويين منها فإنها أكثر تعبيرا عن واقع العربية في فترة ظهور الإسلام، من حيث الأصوات والمفردات والتراكيب.
وقد قال الداني كلمة موجزة تعبر عن موقف القراء من هذه القضية، وهي قوله:«وأئمة القراءة لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل، والرواية إذا ثبتت لا يردّها قياس عربية ولا فشوّ لغة، لأن القراءة سنّة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها»(١).