إن الأحداث الجسام، والظروف الصعبة، والكفاح المستمر الذي صاحب حياة النبي صلى الله عليه وسلم- وإن وسائل الكتابة الخشنة البدائية الصعبة الاستخدام، مع قلة الكتبة وضعف خبراتهم الكتابية- كل ذلك لم يحل دون كتابة القرآن، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو كتّاب الوحي ويأمرهم بكتابة ما ينزل عليه من القرآن، ويراجعه معهم.
[المبحث الثاني جمع القرآن في الصحف]
أولا- أسباب جمع القرآن:
كان القرآن الكريم قد كتب مفرقا في الرقاع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن لم يجمع في صحف منظمة، وحين تولى أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، الخلافة في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة سعى إلى تثبيت أسس الدولة التي بناها رسول صلى الله عليه وسلم وكان أول ما واجهه- في خلافته- ارتداد قبائل من العرب وامتناعهم عن أداء بعض حقوق الإسلام، ووقف الصديق من هؤلاء موقفا حازما، وقال كلمته المشهورة:«والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدّونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه»(١). وانضم بعض المرتدين إلى مدّعي النبوات الكاذبة، فجهّز الصديق الجيوش التي كان في طليعتها كبار الصحابة، لقتال هؤلاء الخارجين، ولم تمض إلا مدة يسيرة حتى عادت الجزيرة العربية كلها إلى حظيرة الإسلام، واندفعت جيوش الصحابة نحو الشام والعراق.
وقد استشهد في تلك الحروب عدد من الصحابة، رضوان الله عليهم، كان من بينهم عدد من حفاظ القرآن. وكانت معركة اليمامة، التي أذلّ الله فيها مسيلمة الكذاب وجمعه، من أعظم الغزوات في حروب الردة، وأبعدها أثرا، وقد استشهد